نحن على أعتاب نهاية أزمة حقيقية في العوامية - ولله الحمد-، كان وقودها أهلها، والخاسر الأكبر أبناؤها للأسف، أعظم من ذلك كله والذي يشعر به سكانها ويبقى في خلجات النفس مدفونًا، هو حيرة الهوية التي تجعل الفرد مترددًا بين مزاعم الخارج والأوهام وبراميل بارود من الأدبيات المتراكمة في اللا شعور، تنامت تلك الأفكار المميتة - بتعبير مالك بن نبي - نتيجة سنوات من خطاب الكراهية والتحريض، وهم المظلومية، يزيد هذه الحيرة أن ابن العوامية واقعه الحقيقي ليس في طهران، وبيته ليس في الضاحية الجنوبية، وراتبه لا تدفعه ميليشيات الفوضى في العراق وسوريا، هو ضارب الجذور في بلده السعودية ومنتمٍ لترابها المعجون بعرق أجداده، وتاريخه ماثل أمامه يسمعه من حكماء كبار السن الذين عاشوا مراحل بناء الدولة ووجدوا أن كل الأيديولوجيات الفوضوية تلاشت وانتهت ولم يبق إلا الوطن وأبناء العوامية! والحزم الذي شاهدناه - في وجهة نظري - ضروري لجيل المستقبل أن يهتز ويصحو ولو بشيء من القوة، وخطاب إفاقة عاجل بعد مخدر الأوهام وتغييب الوعي الذي كبّل بعض أبنائها الأذكياء الأحرار عقودًا من الزمن، خرجوا منها بلا شيء سوى زيف البطولات التي خدعتهم بها سياسات العدو الذي لا يهمه من مات ومن اُعتقل ومن فقد مستقبله ومن قُطع من وطنيته واُجتث من جذوره. ما يهمّني في هذا المقال هم أبناء العوامية جيل النهضة القادم، الذي جرّب لعقود أن يعيش حيرة الطيور المهاجرة بلا حنين أو انتماء، وبعضهم فضّل أن يصبح بطلا وهميًّا بدل أن يعيش مواطنا صالحا صادقا مع نفسه منتجا لمجتمعه بعيدًا عن لصوص الاستغلال لطيبته وتضحيته، إن العقل والحكمة يؤكدان أن فعل التغيير هو للقادم وليس للماضي أو حتى الحاضر، مَن يرغب في مستقبل واعد لا يجب عليه أن يكون أسيرًا لتجارب مؤلمة، يكفي ما أصابه أن يكون أكثر تعلمًا من دروس الواقع الذي جرى ويجري حوله، فما بالنا وقد أصبح هؤلاء هم الدرس القاسي والمؤلم لأنفسهم قبل غيرهم، ولا أظنكم إلا وقد استوعبتم أن صدام الدولة لأجل حقوق أو مطالب لا يأتي بالسلاح والمولوتوف، فحتى والدك أكثر الناس حرصًا على مصلحتك لو صرخت في وجهه لأصبح عقوقا، فما بالك بوطن سيبقى حصنك الذي يحميك وحضنك الذي يحتويك، والحب لن يقابل إلا بالحب ولن يكون جزاء الإحسان إلا الإحسان.. المستقبل هو رهان التغيير والوعي هو سلاحك الصارم من لصوص التحريض والتضليل.