رغم ما يشهده الزمان من تطورات رقمية متسارعة ورغم محاولات الإنسان المستمرة لتيسير كافة سبل العيش وجعله أسهل على كافة الأصعدة، إلا أن ما يصنعه الإنسان بيده يظل محتلا مكانة متميزة في روافد الحياة، على مستوى الحرفية والقوة بل والراحة النفسية. والصناعات هي إحدى مكوّنات الحياة التي اعتمد عليها الإنسان من قديم الأزل وكانت وما زالت احتياجا أساسيا من احتياجات الحياة. وتعتبر صناعة النجارة والحدادة في الأحساء نموذجا واضحا يتحدث عن نفسه، ضاربًا بذلك المثل في الحفاظ على التراث الإنساني من جانب والدقة والحرفية من جانب آخر. وفي هذا السياق تقول عضو المجلس البلدي بمحافظة الأحساء سناء بنت عبداللطيف الحمام عن الحِرَف العتيقة وثباتها رغم التطور الحضاري: تعتبر منتجات الحِرَف اليدوية أكثر تميزًا من غيرها على مستوى الخامات والمواد الطبيعية والمحلية، وتعتمد على اليد دون استعمال أي نوع من المكائن أو الآلات الحديثة، والحرف اليدوية مستمدة من التراث القديم الأصيل وتعبر عن طبيعة وتاريخ المدن التي تزاولها. واستطردت الحمام: ومن المهن التي تتميز بها الأحساء مهنة النجارة، وقد ساعدت طبيعة الأحساء على ازدهار هذه الصناعة، حيث تتسم بزراعة الأشجار وتعتبر أكبر واحة نخيل عربية وبها وبالتالي تعطي منتجًا كبيرًا من الاخشاب الطبيعية. أما عن مهنة الحدادة فقالت الحمام: إن وضع الأحساء وطبيعتها بالاتجاه للعمل في الزراعة يتطلب أشكالا معينة من الأدوات المصنوعة من الحديد مما استدعى الحاجة للعمل في هذه الصناعة، حيث امتهنت بعض الأسر مهنة الحدادة لسد الحاجة لدى البعض، ويوجد بالهفوف شارع لصناعة الحديد ويسمى بشارع (الحدادين) لوجود عدد كبير من ممتهني هذه المهنة ممن ينتجون أدوات الفلاحة مثل (المحش) والعتلة (الهيب) والمنجل وبعض مستلزمات البدو والبحارة. كما يعمل الحداد الأدوات الخاصة بالقهوة مثل الملقاط المحماس والسطول النحاسية، وغيرها من المستلزمات، كصناعة المشالح والعباءة وخبانتها والصناعات السعفية كالقفاصة والحصر والخوصيات بأنواعها وأشكالها. وتشير عضو المجلس البلدي إلى أن الدولة السعودية تهتم بالحِرف التقليدية اهتماما كبيرا ينعكس على تطور الصناعة في الأحساء، وما نلاحظه من نجاح باهر في المهرجانات السياحية التي تشهدها (أرض الخير) هو انعكاس لهذا الاهتمام بالحِرف اليدوية؛ فهي من الدعائم الأساسية للصناعة المحلية، وتمثل أصالة الماضي وما زالت منتجاتها مطلوبة في وقتنا الحاضر. لذا تستحق الحِرف العتيقة منا كل اهتمام رغم التطور الحضاري. وشاركتها في الرأي المستشارة معصومة العبد الرضا عضو المجلس البلدي فقالت: الأحساء تاريخ عريق ممتد، ولها الكثير من السمات باعتبار الطبيعة الخلاقة التي مكّنت أهل الأحساء منذ القدم من أن يبدعوا ويخترعوا ويبتكروا بامتهان العديد من المهن (كالزراعة والحدادة والنجارة) مما جعل هذه المهن رمزًا لهوية الأحساء الناطقة التي تحكي القديم التليد وتتناقله الأجيال. وتابعت: جاءت هذه العناية بهذا الموروث لتتلاقى مع توجيه الدولة ورؤية 2030، وأكدت العبد الرضا على أهمية العنصر النسائي في هذا الإطار، حيث يقمن بدور فاعل في تقديم ورش عمل في مجالي النجارة والحدادة.