استكمالا لما سبق طرحه حول أهمية وقيمة ودور المشاريع الصغيرة والمتوسطة في تنمية الاقتصاديات الكلية، استعرض في هذا السياق تجارب ناجحة في ثلاث دول استطاعت من خلالها أن تصعد السلم الدولي ، جديرة بالتوقف عندها. أولى تلك التجارب ، التجربة الهندية التي أسهمت في تحقيق قفزة في الاقتصاد الهندي حيث بلغ عدد المشاريع ثلاثة ملايين مشروع، وجدت جميعها الدعم من الحكومة الهندية التي وضعت قوانين لحماية السلع التي تنتجها المشاريع الصغيرة والمتوسطة بحيث ترفع نسبة الضرائب على المنتجات المستوردة لضمان عدم المنافسة مع المنتجات الوطنبه، الى جانب تسهيل ودعم الاقتراض، وإنشاء شركة كبرى ترعى تسويق المنتجات، وكذلك التدريب وتقديم الاستشارات المستمرة للتطوير . ثاني التجارب هي التجربة الصينية التي بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدأت بموارد ضعيفة وكان عدد السكان يقارب المليار ونسبة الأمية حوالي 40%، ولكن مع ذلك قررت الحكومة الصينية التركيز على المشاريع الصغيرة؛ فدعمت الأسر في المنازل، وخصصت شركات كبرى لشراء منتجاتها بأسعار جيدة، كما وضعت قوانين تمنع الاستيراد خصوصا في البدايات، وذلك أوجد مناخا مناسبا للجميع للمشاركة في التنمية، وبعد ذلك وفي بداية التسعينيات الميلادية قررت الصين الانتقال بالصناعات الصغيرة والمتوسطة الى الأسواق العالمية وبالفعل اجتاحت تلك الأسواق. أما التجربة الثالثة فهي الماليزية، حيث تشكل الصناعات الصغيرة والمتوسطة فيها حوالي 80% من إجمالي الصناعات، ونتيجة لموقع البلاد وسط أكبر دول العالم الصناعية، كما في حالتي الصين واليابان، ما يجعل التنافس الصناعي صعبا للغاية، فإن الحكومة الماليزية وضعت خطة ذكية تقضي بتوجيه الصناعات الصغيرة والمتوسطة والعمل على التجميع، ووضعت قوانين تمنح أراضي وقروضا مالية لدعم مشاريع التجميع فيما تقوم شركات كبرى بالتسويق الدولي لهذه المنتجات. السؤال المهم من واقع تلك التجارب.. كيف تنجح تجربتنا في المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ واعتقد أن ذلك يتلخص في : توفير الدعم المالي الكافي، وضع قوانين تمنع المنافسة مع بعض المنتجات التي تصنعها تلك المشاريع ، تأسيس شركة كبرى ترعاها الدولة تقوم بتسويق المنتجات، تسريع الحصول على الأيدي العاملة، ومنعا للتلاعب توضع العمالة تحت كفالة وتصرف هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة حتى تسديد أموال القروض التي يتم الحصول عليها، وضع تشريع يفرض على مشاريع الدولة تخصيص نسبة 25% للشركات الصغيرة والمتوسطة، وضع مستشار لكل منشأة يقوم برفع توصيات وتقاير دورية حتى يتم التغلب على جميع المعوقات بصورة فورية، وذلك في تقديري ينسجم مع معايير نجاح التجارب السابقة، ويمنح اقتصادنا خيارات تسهم في تنويع الدخل وتعظيم الإنتاج وفقا لمقتضيات رؤية المملكة والتحول الوطني.