في مجال رصد آثار الحداثة المادية على المجتمعات، يُنظر إلى العوامل «الغير» ثقافية مثل دخول الآلة أو إحداث تغيير في طبيعة الارض وفضائها، على أن له انعكاسا مباشرا وملحوظا على طبيعة العيش وأساليب الحياة وثقافة البشر. ونحن، وبعد عقود من تماسنا مع الحداثة ودخول منتجاتها إلى عالمنا، لأحوج أن نتتبع آثارها على الفرد السعودي ومدى التغيير الحاصل بتعامله معها في سلوكه وأفكاره ونمط معيشته. هذا في المجال العام، أما في خصوصية المناطق فتبرز المنطقة الشرقية وبالذات المناطق الزراعية والحواضر المحيطة بها عندما مرت بثورة هائلة في مجال استصلاح الأراضي الزراعية عن طريق هيكلة أساليب الري ووقف زحف الرمال، وما نتج عنه من فتح طرق مواصلات جديدة وسريعة تصل الأرياف بالمدن لتصبح القرية بمثابة ضاحية للمدينة وتتخلى عن طابعها الريفي مما أثر على إيقاع الحياة ونمطها. فواحة الأحساء مثلا، تعرضت وعلى مدى آلاف السنين لخطر بيئي متمثل في ابتلاع قراها واضمحلال الرقعة الزراعية بسبب زحف الرمال والتي كانت بمعدل 60 مترا سنويا وعلى جبهة بطول 16 كم حسب ما جاء في تقرير مجلة العربي عدد 91 – رجب 1386 وذلك قبل الحل التاريخي والمتمثل في انشاء مشروع حجز الرمال. ومن ناحية أخرى تمددت الرقعة الجغرافية فيها بفضل القنوات الخراسانية للري بطول 1500 كم لحظة البدء فيها مما أثر بشكل فارق في انتاجها الزراعي وجودته. يأتي هذا الحديث ليس للتذكير بمنجزات حكومتنا أو استحضار لحدث تاريخي مؤثر في مسيرة الواحة، بالرغم من استحقاقهم الشكر والاحتفاء، إنما نتناوله من زاوية المسؤولية الثقافية ودور الأدب باعتباره المعبر الحقيقي عن روح المكان ومدى انعكاس ذلك على الانتاج الأدبي والثقافي، سواء بالنسبة إلى الأدباء أو مدى تبني مؤسسة الري ومشروع حجز الرمال للمشاريع الثقافية وحفظ التراث ونشره.