تشكل «الكثبان الرملية» المتحركة خطراً حقيقياً لمستخدمي الطرق السريعة، ولكون المملكة تتصف بالصحراوية، فإنّ رمالها تُعد الأسرع حركة على مستوى العالم، وهي بذلك تكون أكثر تأثراً بالمخاطر المتوقعة. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل للحد من هذه المخاطر عبر إزالة الرمال الزاحفة من أطراف الطرق، إلاّ أن جهود الجهات المعنية في هذا المجال ظلت تقليدية، من خلال استعمال «الشيولات» أو معدات النقل لإزاحة الرمال عن حواف الطرق، ولم نحتاج إلى «زراعة الأشجار» على نطاق واسع أو اعتماد «شبكة بلاستيكية اصطناعية» يُعمل على إحلال طرق أخرى أفضل وأكثر «ديمومة» ك»زراعة الأشجار»، والتي لها منافع عظيمة طبيعياً وبيئياً ومناخياً. وتقف مشكلة «ري» الأشجار، كعقبة كبيرة في زراعتها، إلاّ أن هناك من يؤكد على أن هذه المشكلة بالإمكان التغلب عليها، بالإفادة من مياه الصرف الصحي المعالج ثنائياً، والتي ستحتاج المياه في العام الأول، كما أن بعض المختصين طرح فكرة «الشبكة البلاستيكية الاصطناعية» من خلال تغطية الرمال، والتي من الممكن أن تمنع الحركة والزحف، وكذلك عدم الوصول إلى الطريق المجاور. حلول متعثرة أمام وسائل تقليدية للمعالجة وعلى الرغم من محاولتنا الحصول على إحصائية من إدارة المرور عن الحوادث التي وقعت جراء تراكم الرمال وسط الطرق، إلاّ أننا لم نتمكن من ذلك، رغم يقيننا بوجود حوادث ليست بالقليلة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر الطريق الذي يربط «مدينة الهفوف» ب»شاطئ العقير»، والذي من المزمع أن يكون الطريق الرئيس الذي يوصل أهالي مدينة الرياض بالشاطئ، حيث رصدنا أعداد ليست بالقليلة من الحوادث الجسيمة، جراء تراكم كميات كبيرة من الرمال الزاحفة في وسط الطريق، وهناك عشرات الطرق في بقاع المملكة المختلفة تعاني المشكلة ذاتها. «الرياض» تطرح الموضوع، وتناقش المختصين، فكان هذا التحقيق. طريق استقرت الرمال على جانبه رطوبة كامنة في البداية قال «م.يوسف العبد الواحد» - مدير سابق لمشروع حجز الرمال بالأحساء: إن تجربة الزراعة الجافة التي تم تنفيذها عام 1392 ه اعتمدت على الرطوبة الكامنة في الكثبان الرملية، وجاءت بناءً على دراسة أجرتها إحدى الشركات العالمية، مضيفاً أنهم أجروا التجربة ولم يكونوا حينها واثقين من النجاح؛ لتزامن تنفيذ تلك التجربة مع أشهر الصيف الشديدة الحرارة والجفاف والعواصف الرملية، مبيناً أن التجربة عبارة عن زراعة «عقل الأثل» المحلي، وكذلك شتلات «الكافور» و»البروسوبس»، مؤكداً على أن التجربة نجحت بشكل باهر وغير متوقع، حيث تجاوزت نسبة النجاح (90%) خلال العام الأول، مما شجعهم على زراعة أربعة مصدات موازية للمصد الأول بطول (4كم) وعرض (400م)، وعلى مسافة تتراوح بين (1.5-2كم) بين المصدات. مجموعات متفرقة وأوضح «م.العبد الواحد» أن طريقة الزراعة الجافة التي تعتمد على الرطوبة الكامنة في باطن الكثبان الرملية وزراعة أشجار «عقل الأثل» و»أشجار الكافور» و»الكازورينا» و»البروسوبس»، تُعد قليلة التكاليف بالمقارنة مع الطريقة التقليدية، حيث لا تحتاج إلى معدات باهظة الثمن لتسوية الكثبان الرملية، كما أنها لا تحتاج إلى حفر آبار لري الأشجار، مما يعني المحافظة على المياه الجوفية، مبيناً أن الغابة التي تنشأ بهذه الطريقة لا تحتاج إلى صيانة على مدار العام، كما أن هذه الغابات تكون أقرب مما تكون إلى الغابات الطبيعية، حيث تزرع الأشجار في مجموعات متفرقة وعلى ارتفاعات مختلفة حيث تكمن الرطوبة الأرضية، مشيراً إلى أن نجاح تجربة الزراعة الجافة كان الدافع الكبير لزراعة طريق (أبقيق- الظهران)، حيث تتشابه الظروف المناخية. وأضاف: «الآن وبعد مرور ما يزيد على (30) عاماً مازالت أشجار الأثل تقف شامخة على امتداد طريق أبقيق- الظهران، على يمين المسافر من الأحساء والمتجه شمالاً صوب الدمام، أما تلك التي زرعت على الجانب الآخر من الطريق فقد أزيلت مساحات كبيرة منها بعد تنفيذ مشروع أنابيب مياه التحلية المتجه إلى الرياض». م.عبدالرحمن النعيم توفير ومنفعة وتمنى «م.عبدالرحمن بن عبدالله النعيم» - قدّم العديد من الرؤى لوقف زحف الرمال وبأقل تكلفة ومن ذلك إبعاد الكثبان الرملية عن الطريق (7-8م) مع القيام بمعالجة التربة عبر استخدام شبكات زراعية أو كيماوية - من المسؤولين في الجهات المعنية الرجوع لمقترح سبق وأن قدمه قبل سنوات «م.يوسف العبدالواحد» والقاضي باستخدام شتلات زراعية خاصة تنمو في الصحاري ولا تحتاج إلى الري إلاّ في العام الأول من زراعتها، ويمكن وضعها لتكون مصداً للرياح، مشدداً على أهمية زراعة الأشجار لتسهم بأدوار في جوانب عديدة منها خفض درجات الحرارة، إلى جانب كونها تمنع زحف الرمال، مبيناً أنه يمكن استخدام مياه الصرف الصحي المعالج ثنائياً لاستزراع هذه الأشجار التي ستحتاج المياه في العام الأول، لافتاً إلى أن زراعة الأشجار سيوفر كثيراً في الكلفة المادية بشكل ملحوظ، داعياً إلى إلغاء الطريقة التقليدية عبر استخدام المعدات و»الشيولات». م.يوسف العبدالواحد ليس مستحيلاً ورأى «م.صادق بن ياسين الرمضان» - رئيس اللجنة الزراعية في غرفة الأحساء - أن الخيار الأمثل لوقف زحف الرمال هو زراعة حواف الطرق بالأشجار، مبيناً أن هذا الحل صعب تنفيذه لقلة المياه وصعوبة الظروف المناخية في المملكة، إلاّ أنه ليس مستحيلاً إذا تم اختيار نوع الأشجار المناسب، وكذلك اختيار الوقت المناسب لزراعته كموسم بداية سقوط الأمطار مثلاً، مضيفاً أن كمية المياه التي ستحتاجها هذه الأشجار في بداية الزراعة لن يكون قليلاً كونه في بداية الزراعة، لكن هذه الكمية حتماً ستكون مؤقتة في العام الأول فقط حتى تبدأ هذه الأشجار في النمو ومد جذورها على مسافات عميقة في جوف الأرض، ذاكراً أنه بالإمكانية إضافة بعض المواد الحيوية والفطريات؛ لكي تساعد في الحفاظ على المياه، وفي الوقت ذاته تساعد في نمو النبات، لافتاً إلى أن زراعة الأشجار في مجمله أقل كلفة اقتصادية من الأسلوب التقليدي في إزالة الرمال بالمعدات. م.عبدالعزيز العامر حلول جذرية وذكر «م.النعيم» أنه تتكرر حوادث السير جراء تراكم الرمال الزاحفة في وسط الطريق، مما يفاجئ السائق ويحدث ما لا تحمد عقباه، لاسيما إذا حدث ذلك خلال الليل، مضيفاً أن أجوائنا في الأعوام الأخيرة باتت تشهد عواصف ترابية كثيرة، مما يجعل تراكم الرمال في أواسط الطرقات أمر يتكرر حدوثه بشكل مستمر، مشيراً إلى أن بعض الطرق تغلق بشكل شبه كامل جراء زحف الرمال كالطرق التي تمر في وسط صحراء الدهناء أو النفود التي تتصف رمالها بسرعة الحركة، داعياً إلى تسخير العلم الذي وصفه بأنه القادر على وضع حلول ناجحة وحديثة، وكذلك التخلص من الأساليب القديمة في التصدي لزحف الرمال، مطالباً بالإفادة من الكليات الزراعية ومراكز الأبحاث، وكذلك كليات الهندسة المنتشرة في المملكة، ومنحهم الفرصة الكاملة للتوصل إلى حلول جذرية لوقف زحف الرمال لحماية الأرواح على الطرقات. د.محمد العمراوي عقد ورش وأوضح «م.عبدالعزيز عبدالرحمن العامر» - مدير سابق لمشروع حجز الرمال في الأحساء - أن الطريقة الأفضل وفقاً لتجربتهم في المشروع هي زراعة أحزمة خضراء، مشدداً على ضرورة الأخذ في الاعتبار تصميم الطريق، بحيث لا يكون مرتفع عن مستوى الكثبان الرملية المحيطة، معللاً ذلك بكون الطريق سيتحول إلى مصيدة للرمال، محذراً من الاستمرار في ارتكاب أخطاء المقاولون العاملون على إزالة الرمال، والمتمثل في إثارة الكثبان الرملية القريبة من الطريق من خلال تجريفها، أو من خلال نقل جزء منها الأمر الذي يسرّع في عملية الزحف، وبالتالي زيادة التأثير على الطريق، حاثاً الجهات المعنية إلى استخدام بعض أنواع مثبتات التربة، التي عادةً يمكن رشها على الكثبان، وكذلك الإفادة من تجربة الدول الأخرى كتجربة الامارات الشقيقة في تشجير الطرق الطويلة، متمنياً عقد ورش عمل تجمع المختصين للإفادة من خبراتهم، وكذلك تنفيذ تجارب في عدة مواقع ومراقبتها. ودعا إلى الإفادة من مياه الصرف الصحي المعالج ثنائياً في ري الأشجار، والتي يتمثل في أثرها البيئي والمناخي الإيجابي في الزراعة وزيادة الرقعة الخضراء. م.صادق الرمضان شبكة بلاستيكية وطرح «د.محمد عرفان العمراوي» - أستاذ مساعد في قسم الجغرافيا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء - رأي مخالف للرأي الذي يرى زراعة أحزمة من الأشجار، مضيفاً أن «الشبكة البلاستيكية الاصطناعية» أكثر ملائمة من التشجير، والذي يحتاج إلى كميات غير قليلة من المياه في بيئات صحراوية جافة، وخاصة إذا كانت الطرقات تمتد لمسافات كبيرة وسط صحراء قاحلة، شارحاً سبب أفضلية الشباك على التشجير إلى النظرية الحديثة، والتي تتحدث عن تغطية سطح الرمال بأي شيء يمثل عقبة كبيرة أمام الزحف؛ لأن استرداد حبيبات الرمال بالرياح تكون أصعب، كما هو الحال في وجود شبكة بلاستيكية، رخيصة الثمن وغير مكلفة كثيراً، فتنزلق الرياح عليها دون تحريك حبيبات الرمال، لتقل مقدرتها علي حمل كميات منها علي الطريق المجاور.