المستهلك الذي يُعرّف بالمفهوم العام المُبسّط بأنه كل شخص يقتني أو يستعمل سلعا أو خدمات لتلبية احتياجاته، امتدت معاناته منذُ سنواتٍ عديدة، فكثيرًا ما كان يقع ضحية لإعلانات تسويقية مُضلِلة ولاستغلال مادي جشع يستنزف أمواله بدون وجه حق، كما أنه قد يُجبر على بعض الممارسات التي تُبخسه حقوقه، فمجالات الإخلال بحقوقه كثيرة وهو الحلقة الأضعف في السلسلة الاقتصادية، فمن مجالات الإخلال بحقوقه: الخداع الإعلاني ببناء الإعلانات التسويقية على أساسٍ غير بيّن وصادق، كذلك افتقار بعض المنتجات للضمان الكافي، كذلك فرض أسعار لا تتلاءم مع القوة الشرائية لجمهور المستهلكين، وغيرها من المجالات، وفي ظل هذه المعاناة المتجذِرة انبلجت الصحوة لتجتث هذه الجذور في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث بدأت الدول تتنبه لحقوق المستهلِك وإلى ضرورة تأمين القدر اللازم من الحماية لها، فبدأت تُصدِر الأنظمة التي تُبين حقوق المُستهلك وتفرض العقوبات على مَنْ يعتدي عليها، وبدأت كذلك بتأسيس الجمعيات التي تهدف إلى حماية المستهلِك وتوعيته بحقوقه وإيصال صوته وتلقي شكاويه ضد مَنْ يُخِل بحقوقه، وفي عام 1985م أصدرت منظمة الأممالمتحدة قرارًا بيّنت فيه حقوق المستهلك الثمانية الأساسية، التي يجب على كل دولة من الدول الأعضاء في المنظمة الالتزام بتأمينها للمستهلك وهذه الحقوق هي: حق الأمان، حق المعرفة، حق الاختيار، الحق في إسماع الرأي، الحق في إشباع الحاجات الأساسية، الحق في الحصول على تعويضات مُلائمة، الحق في التثقيف، الحق في بيئة سليمة، وبذلك يتضح لنا أن حقوق المستهلك حقوق عالمية أساسية، وهذا مما يُدعم حركات حمايتها. وفي المملكة ومع أنه لا يوجد نظام خاص يُبيّن حقوق المستهلك إلا أن جمعية حماية المُستهلك، التي صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشائها عام 1428ه أخذت على عاتقها دور التوعية والرقابة إلى جانب وكالة حماية المستهلِك بوزارة التجارة والاستثمار، كما تتلقى هاتان الجهتان شكاوى المُستهلِكين، التي قد تستأنس فيما يتعلق بحماية المستهلِك بنظام مكافحة الغش التجاري واللائحة التنفيذية لحماية المستهلك في مجال النقل الجوي والصادرة بقرار من مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، وغيرها من الأنظمة واللوائح ذات العلاقة، وقد بينت هذه الجهات وهذه الأنظمة وما زالت حقوق المستهلك وقدمت له التوعية في بعض الجوانب، ومن الحقوق التي صرّحت بها على سبيل المثال: لا يحق لمقدمي الخدمة الصحية مطالبة مرضى الطوارئ بموافقة شركة التأمين قبل إخضاعهم للعلاج، ولا يحق لشركة التأمين نفسها أن تشترط ذلك، كذلك في حال تأخر الرحلة الجوية لسبب يرجع إلى الناقل من ساعة إلى ثلاث ساعات، فإنه يحق للمستهلك الحصول على المرطبات مجانًا وفي حال التأخر من ثلاث ساعات إلى ست ساعات فإنه يحق للمستهلِك طلب توفير وجبات ساخنة، وفي حال التأخر ست ساعات فأكثر فإنه يحق للمستهلِك طلب توفير سكن فندقي، كذلك بالنسبة إلى منع أخذ رسوم على فتح الملف في المستشفيات الخاصة، ومنع وضع عبارة «البضاعة المبيعة لا ترد ولا تُستبدل» في المحال التجارية وغيرها الكثير من الحقوق. إلا أننا ومع هذا الزخم التوعوي الذي انبثق عن جهود مشكورة، ما زلنا في عِداد برنامج توعوي حمائي غير قوي، يفتقر إلى تبيان حدود الحقوق وتوضيحها بشكل أكبر مما يُدعم من سرعة استجابة الجهات عند الشكوى على المعتدين عليها، ومما يُدعم كذلك تطبيقها، فردة الفعل التطبيقية لهذه الحقوق لم تكن بالقوةِ المنشُدة، فالكثير من الإخلالات بحقوق المُستهلِكين ما زالت تُمارس، فتنظيم الحقوق أمرٌ رائع لكن عدم تطبيقها بشكلٍ صارم يجعلها وكأنها لم تكن، فالمنظومة العادلة لا تُبنى على أنظمة قانونية فقط بل على أنظمة قانونية مُطبقة، فقرارات توضيح حدود حقوق المستهلك وتدعيمها وإصدار نظام خاص بحقوقه بشكلٍ جلِي برأيي سيدفع بعجلة حماية حقوق المُستهلِك إلى مرحلة أقوى وأفضل نتطلع إليها جميعًا.