تعتبر أسعار النفط أحد المؤشرات الرئيسية التي يتم من خلالها قياس الطلب والعرض على النفط عالميا ولعلها الأهم من بين جميع المؤشرات، ولكن تبقى هناك مؤشرات أخرى يجب ألا يتم الاغفال عنها كحجم المخزون النفطي الفعلي للدول الصناعية الكبرى، وحجم الاستثمارات النفطية الجديدة في عمليات الاستكشاف وعمليات الحفر والانتاج والتكرير والبتروكيماويات وصولا للنشاط الصناعي العام ناهيك عن القطاعات الاخرى المستهلكة للنفط ومنتجاته كقطاع النقل وتوليد الطاقة، ويمتد التأثير الى سوق صرف العملات والقوة الشرائية للمستهلكين لهذه السلعة المقومة بالدولار الذي يتذبذب سعره يوميا صعودا ونزولا، فلكل نشاط منهم سوق مختلف عن الآخر يؤثر بطريقة أو بأخرى على اسعار النفط العالمية ويجب علينا تحليل جميع المؤشرات؛ لكي تتكون لدينا نظرة أدق على وضع النفط العالمي قبل الحكم المبكر على أي من القرارات الحديثة كتمديد أوبك لخفض الإنتاج لتسعة أشهر. في العام الماضي وصل سعر برميل النفط لمستوى الخمسة والعشرين دولارًا وقد امتلأت الموانئ بالناقلات النفطية العملاقة ووصل السوق الى مرحلة التشبع الكامل حيث لم يكن هناك مشترٍ للحمولات ولا طاقة تخزينية كافية لاستيعاب فائض الانتاج، فمكثت تلك الناقلات لأسابيع في البحار تنتظر تفريغ حمولاتها في منظر لم يشاهد منذ عقود. كل ذلك تغير مع اتفاق أوبك والمنتجين المستقلين، فانخفضت الاحتياطيات العالمية من المخزون النفطي واصبح التداول على النفط أكثر تناغمًا وسلاسة ما بين البائع والمشتري، فغاب مشهد اكتظاظ الأرصفة بناقلات النفط الممتلئة وازداد النشاط الصناعي في بعض الدول الصناعية كالصين وانعكست هذه النتائج تباعا على الاسعار لترتفع تدريجيا للمستويات الحالية حول مستوى الخمسين دولارا، وإن كانت الاسعار لا تزال اقل مما يريده بعض المنتجين إلا ان اوضاع السوق بشكل عام اصبحت أفضل بكثير وبتحسن مستمر قياسا بالمؤشرات التي تم ذكرها سابقا، ما جعل المنتجين من داخل وخارج أوبك راضين عن النجاح النسبي المحقق من الاتفاقية السابقة وبالتالي تمديدها والأداء الحالي للسوق. أحد اهم عوامل الضغط على أسعار النفط العالمية بهذه الفترة هو عودة الانتاج الليبي بقوة للسوق العالمي ليتجاوز حاجز الثمانمائة ألف برميل يوميا في شهر مايو الماضي مرتفعا من مستوى الأربعمائة ألف برميل يوميا في عام 2015، وكذلك الخام النيجيري الذي حقق زيادات ملحوظة بالانتاج فقد تم اعفاؤهم من قرار أوبك السابق لخفض الانتاج ما ساهم ايضا بعدم انعكاس قرار أوبك بالتمديد على أسعار النفط العالمية بشكل فوري، وهو أمر طبيعي الى ان يستوعب السوق الكمية الإضافية القادمة من هاتين الدولتين مع الزيادة القادمة من التوسع بعمليات الانتاج للنفط الصخري بأمريكا الشمالية.