شاعر وأديب مصري، يوصف شعره بالرصانة، نبغ في الإنشاء والأدب وترجم الكثير من الروايات الفرنسية الشهيرة بأسلوب أدبي عربي متميز، رغم عدم إجادته الفرنسية. ولد مصطفى لطفي بن محمد لطفي المنفلوطي عام 1293ه/ 1876م في مدينة منفلوط (محافظة أسيوط) بصعيد مصر، من أب مصري وأم تركية، وينتسب والده إلى أسرة مشهورة بالتقوى والعلم، فيها نبغ عدة قضاة شرعيين وعلماء وأدباء. حرص المنفلوطي -وهو في مرحلة الدراسة الأزهرية- على الاهتمام أكثر بحفظ ودراسة دواوين الشعراء الكبار من أمثال: أبي تمام، والبحتري، والشريف الرضي، والمتنبي، إضافة إلى أدباء النثر من أمثال: ابن المقفع، والجاحظ، وابن عبد ربه، والأصفهاني، وابن خلدون، وغيرهم، وهو ما منحه أسلوبا خاصا متميزا، وذوقا فنيا رفيعا. صدر للمنفلوطي عدد من المؤلفات كان أبرزها النظرات والذي نحن بصدد الحديث حوله، وهو كتاب يحوي مجموعة من المقالات الأدبيّة فيها موضوعات الاجتماع والسياسة والأدب وصور من المجتمع المصري. وكتاب آخر هو العبرات إضافةً الى ذلك ترجم المنفلوطي عن الفرنسية رواية «في سبيل التاج»، وهي عبارة عن مأساة شعرية تمثيلية كتبها فرانسوا كوبيه، وهو أحد أدباء القرن التاسع عشر في فرنسا، كما ترجم عنها رواية «بول وفرجيني» تحت عنوان «الفضيلة». ومن ترجماته أيضا رواية «سيرانو دي برجراك» للكاتب الفرنسي أدموند روستان التي نشرها بعنوان «الشاعر»، ورواية «تحت ظلال الزيزفون» للأديب الفرنسي ألفونس كار ونشرها المنفلوطي بعنوان «مجدولين»، كما نشر ترجمة لرواية «غادة الكاميليا» للأديب الفرنسي ألكسندر دوماس. ومن إصداراته «محاضرات المنفلوطي»، وهي مختارات من الشعر والأدب العربي القديم والحديث اختارها المنفلوطي وجمعها وطبعها لطلاب المدارس في تلك الفترة، وله كتاب آخر بعنوان «التراحم» يتحدث فيه عن صفة الرحمة وكيف أنها أبرز صفات الله سبحانه وتعالى. وكتابه النظرات صدر في ثلاثة أجزاء، وهو مجموعة المقالات الأسبوعية التي كان ينشرها في المؤيد ويعالج فيها موضوعات الاجتماع والسياسة والأدب، ويصور فيها أحوال المجتمع المصري لذلك العهد، وما بلغه من البؤس والشقاء وانحطاط الأخلاق... فالنظرات هي إحدى الحملات الأدبية ضد كل ما هو فاسد داخل المجتمع. يقول عنها القارئ محمد وفيق: ثلاثة أجزاء ليست كبيرة الحجم لكنها كبيرة القيمة الأدبية، عظيمة الفائدة في تعلم الإنشاء والتعبير، وهي عبارة عن مقالات متنوعة في الأخلاق والتربية والاجتماع والأدب والدين، كتبها المُؤلف على فترات في جريدة المؤيد، ثم جمعها في هذا الكتاب وقدم لها بمقدمة هي بمثابة سيرة ذاتية له في شأن خطه الفكري والأدبي، لا غنى عن مطالعتها -أي المُقدمة- لأي قارئ لأدب المنفلوطي، فمنها مثلًا يُفهم لماذا غلب عليه الطابع البائس، اليائس، الحزين في جُل كتاباته، ومنها يُعرف كيف اكتسب المُؤلف هذه القدرة الإبداعية في الإنشاء والتعبير. المقالات ليست كلها على نسق واحد، فمنها ما يصور أحوال المُجتمع وبؤسه وانحطاط أخلاقه من خلال بعض الأخبار والقصص، ومنها ما يُعظم الفضيلة ويُقبح الرذيلة ويدعو إلى الإحسان والأخلاق الحميدة، ومنها إجابات عن أسئلة القُراء وتعليق على رسائلهم، ومنها ما يُدافع عن القيم والمُعتقدات الدينية، ومنها ما يتناول بعض الأبحاث الأدبية وأحوال الأُدباء والكُتاب، وأكثر مقالاته يُحدثها بأسلوب قصصي مُثير، وبعضها لا يخلو من النظر والنقد كرثائه وثنائه على جورجي زيدان، وإفراطه في بعض الأحيان في وصف المُنكرات والرذائل. وبشكل عام فالكتاب أدبي من الطراز الرفيع وكلماته غنية وعميقة والأسلوب مميز وله صبغة تراثية وهو مطلب لكل من يريد التمكن من ناصية اللغة العربية يحتاج الاطلاع عليه، هذا فضلا عن أسلوب المنفلوطي «المثالي» في تعاطي كثير من المواضيع كالصداقة، الجمال، الرثاء، الغنى والفقر وغيرها الكثير. وللأديب الكبير ديوان شعر يضم نحو 30 قصيدة من الشعر الفصيح، تغلب عليها نزعة التشاؤم والحزن التي رافقته طوال حياته.