من عادة الأدباء والفنانين وخاصة الكبار منهم أن يُستضافوا في المنتديات والندوات الثقافية للحديث عن تجربتهم الإبداعية والأدبية، حيث إن هذه التجربة - وإن ألقت عليها الذاتية أحياناً ظلالها - تبقى قابلة للتعميم والنشر، فهي المحرك الأول والدافع الأعمق لكل التجارب الفكرية، ولعل هذا النسج الإنساني الذي يحيك من خلاله المبدع نتاجه الأدبي كفيل بأن يصبح بحد ذاته بعد مسيرة طويلة مادة أدبية فيها من الزخم والعطاء ما هو كفيل بتربية أجيال والتأثير فيهم. ومن هذا المنطلق قررت رابطة الأدباء مساء الأربعاء الماضي استضافة الأديبة خولة القزويني للتحدث عن تجربتها. وسمت تجربتها بالأدب الملتزم. وانطلقت تكتب الرواية والقصة والمقال في إطار الأفكار المتعلقة بقضايا المجتمع وهمومه موجهة كتاباتها إلى فئة الشباب بشكل خاص، بأسلوب قريب إلى المباشرة وفيه الكثير من الوعظ دون أن تجد ذلك عيبًا ما دامت مؤمنة بهذه الرسالة، ومن هذا الإطار قدمت الزميلة الصحافية أفراح الهندال بصحيفة أوان الكويتية الأديبة خولة القزويني معرفةً بشكل مختصر وموجز بتجربتها الأدبية وأسلوبها القصصي. وفي كلمتها قالت الهندال: «اجترحت القزويني لنفسها درباً خاصّاً يميزها في الادب...فما بين الرواية والقصة يبرز أسلوبها المعتني بالفكرة والمنهج والرسالة ضمن ما يمكن تسميته «الأدب الملتزم»...متأثرة بانطلاقتها فيما كانت تكتبة الشهيدة بنت الهدى» وأضافت الهندال: « على الرغم من إيمانها المطلق بأن أول خطوة للكتابة هي التجرد من الأغلال الداخلية التي تحدّ الفكر من الانطلاق بحرية وعدم وضع مقاييس خانقة تقمع الشخصيات عن التعبير؛ إلا أنها تنحو في الوقت نفسه إلى الكتابة ضمن أطر محددة ومقننة لإيمانها بأن الادب الإسلامي يستوعب كل الآداب الإنسانية، ويعد منطلقاً لكل القضايا والفكر...فهي لا تكتب خيالها مجرداً من الهدف ومستنداً إلى الخيال دون غاية». بعدها استعرضت الهندال مجموعة من إصدارات القزويني الذي تركز فيه على الجوانب الإنسانية والهموم النفسية متوجهة «لضمائر القراء وقلوبهم وعقولهم». لتختم تعريفها بذكر روايتين منعتا من النشر للقزويني وهما «عندما يفكر الرجل» و «جراحات في الزمن الرديء». تأثير الأدب المصري وأوضحت القزويني أنه رغم تجنبها الظهور الإعلامي لبت دعوة رابطة الأدباء رغبة في التواصل عن قرب في المشهد الثقافي، وعن بداياتها قالت القزويني: «منذ طفولتي أحببت القراءة وأدمنت المطالعة، فهي زادي وغذائي وعتادي في درب حياتي، وخصوصاً القصص والروايات وكل سرد يدخل في سياق الحكاوي والشغف الجميل، كانت البداية مجموعة المكتبة الخضراء التي تشد الطفل المرهف إلى مرافئ الدهشة والسحر، وتسرح به في عوالم بعيدة، وتوقظ فيه غريزة الاستكشاف والفضول... وتنمو ميولي القرائية في بواكير صباي حيث تقع عيناي على أول مجموعة قصصية للكاتبة العراقية الفقيهة آمنة الصدر، إذ كانت قصصها تربوية عقائدية كتبتها في صياغة حاذقة وبأسلوب عاطفي مؤثر تحث في مجملها على الفضائل والأخلاق والتدين، نهلت من هذا المورد أجمل المفاهيم وأرقى الصور وأنبل المُثُل، كما قرأت في كتب المنفلوطي كتاب (النظرات والعبرات) وتذوقت جماليات الأدب الأصيل والصور البلاغية الشاهقة في مضامينها». وبينت القزويني أثر مكتبة والدها في صقل أفكارها وميولها مركزة على الأدب المصري بقولها: «استهوتني الرواية المصرية وانجذبت إلى كتَّاب مصر جميعهم بلا استثناء، إذ كنت أستشفّ في كل كاتب ميزة ولونًا ورؤية، من مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وطه حسين ومحمد عبدالحليم عبدالله، حيث كنت أقرأ لهذه الكوكبة من الأدباء وأختزل تجاربهم في عصارة قلمي». أدب موجّه وملتزم وتعتبر القزويني في كلمتها أن على الأدب أن يتوخى النصح والحكمة فالكاتب والأديب «يحتاج إلى أن يهذب ذاته ويربي نفسه وينقي فكره من الشوائب، ويبني أعماقه من الداخل حتى تأتي كلماته بناءة معطاءة، نافعة تضيء للأجيال في كل حقبة درب العزّة والكرامة». أما عن منهجها الادبي فقد اتخذت خولة القزويني كما قالت من الإسلام منهجاً في الكتابة لأن الإسلام كما ترى برنامج حياة كامل شامل يصلح لكل زمان ومكان، والإنسان هو المعني أينما كان في مشارق الأرض ومغاربها». بدايات مبكرة .. أولها الصحافة أما عن رحلتها في عالم الأدب والرواية فقد لخصتها مع بداياتها في الكتابة في مجلة صوت الخليج في بداية الثمانينات حيث جمعت رواية كانت تنشرها في ذلك الوقت بعنوان «مذكرات مغتربة» التي كان لها صدى كبير في نفوس الفتيات خصوصاً في البحرين وكتب عنها بعض النقاد نقداً منصفاً فيه نوع من التشجيع والافتخار، ثم تلتها رواية «مطلقة من واقع الحياة» لتنهال عليها بعدها العروض من الخليج ومن لبنان رغم أنها لا تزال طالبة في الجامعة. بعدها تحدثت القزويني عن روايتها الشهيرة التي ما زالت حتى الآن تطبع الطبعة الثامنة والتاسعة لفرط الإقبال عليها من جمهور القرَّاء في كل بقاع الدول العربية والإسلامية.. وكُتب عنها كثير من الدراسات النقديّة والأدبية ألا وهي «عندما يفكر الرجل». النقد...نجاح وعند الانتقاد الذي يوجه إليها خاصة بالتزامها في نهج الوعظ والنصح بينت القزويني أنها جدُّ سعيدة برسالتها الأدبية وما تحققه من صدى في نفوس الشباب. قائلة : «ومن ينتقدونني بمحبة وإخلاص أقرأ في عيونهم نجاحاتي، وهكذا تستمر قافلة الإبداع بكل عناصرها ومكوناتها حتى بلغ عدد مؤلفاتي سبعة عشر مؤلفاً». مداخلة يتيمة كان من الواضح عدم تفاعل الحضور مع الكلمات التي حضّرتها الكاتبة على عجالة وقرأتها بعفوية؛ خاصة في فترة المداخلات التي اقتصرت على مداخلة يتيمة واحدة من الحضور وهي سؤال الكاتب فهد الهندال عن أفضلية الأنواع الادبية عند الكاتبة فأجابت عنها بإجابة فضفاضة، مكتفية بأنها تحلق عالياً عند كتابتها للنص الأدبي.