تفترض الباحثة في آلية عمل العقل سوزان غريفيلند أن العقل البشري يمتلك خاصية التأقلم مع ظروف الحياة ومعطياتها، وعليه تسحب هذه المسلمة إلى معالجة تأثير التقنية الرقمية على الدماغ وكيف تترك بصماتها عليه. ولعل المثير حقا هو القسم الذي ناقشت فيه مشكلة الشبكات الاجتماعية ومقدار تأثيرها على الهوية، فمثلا: تعتقد أن الهوية التي تُصور على الفيس بوك ليست هي الذات الحقيقية، إنما هي مشيدة عن عمد لتكون مرغوبة اجتماعيا ويطمح إليها الأفراد لكنهم لم يتمكنوا بعد من تحقيقها! وعندما نأخذ هذه الفرضية إلى عالم الأدب والكتابة، نرى أن هناك من يتبنى هذا الرأي في مسألة تأثير التقنية على الهوية لكن ليس من أجل قبولها الاجتماعي، إنما بشكل معاكس تماما حيث التمرد على المألوف وكسر أنماطه القديمة. فهذا الشاعر قاسم حداد يصل إلى نتيجة أنه «في السنوات الأخيرة، بدأ الكثير من الأدباء العرب يعتادون، حد الولع، على الكتابة مباشرة على جهاز الحاسوب. وفِي هذا ما يسهم في تحرير الكائن الإبداعي من أوهام التقاليد والتقليد». من جانبنا وعندما نذهب إلى عالم الكتابة الرقمية وبرنامج «تويتر» تحديدا، نستطيع جلب نماذج عديدة على أن هوية المبدع في هيئتها الرقمية هي مزيج بين الرأيين: الطموح إلى مكانة اجتماعية مأمولة، وتمرد على التقاليد. فناجي حرابة كشاعر كلاسيكي، طاب له في تغريداته على تويتر أن يتمرد على ذاته بأسلوب قريب من قصيدة النثر مع قليل من الوجل لأجل ترك السائد: «كلما كسرتُ بيضة نص جديد وجدتُ نقطة دمٍ، أنبئوني بتأويل أضغاثي». ثم يعود في تغريدة أخرى لا ليقول جديدا، إنما ليبرر أكثر: «أشعر أن قريحتي بدأت تتآكل، من ينقذني من ملوحة الأحلام؟» وفي الأخير، يخلع عنه جميع أردية التحفظ وتصدح الذات: «أيها الشعراء: عانقوا المجاز، واتركوني أمارس الحقيقة». أليس ذلك مثيرا؟