كان لقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، موفدا من لدن خادم الحرمين الشريفين ملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز، مع فخامة الرئيس ترامب في واشنطن، في منتصف شهر مارس الماضي كأول مسؤول عربي وإسلامي، فرصة تاريخية لاستدعاء لقاء البحيرات المرة بين جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز، والرئيس روزفلت إلى الذاكرة، ذلك اللقاء الذي أسس لأقوى العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، حيث أكد معالي وزير الخارجية عادل الجبير أنه كان نقطة التحول في بناء سياسات إدارة الرئيس ترامب الخارجية، التي تضع المملكة بمرتبة الشريك رقم واحد؛ نسبة لأهميتها في مختلف الملفات. وبالأمس، عقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله-، جولة من المباحثات مع فخامة الرئيس الأمريكي، الذي وصل إلى الرياض كمحطة أولى في زياراته الخارجية، اتضح من خلالها أن واشنطن لا تنظر إلى الرياض على أنها مجرد شريك تاريخي وحسب، وإنما أيضا، وبحنكة ملك الحزم، على أنها مرتكز موضوعي لبناء السلام العادل في المنطقة، أولا بحكم قيادتها الحازمة التي لا تقبل بأنصاف الحلول، والتي تتعامل مع القضايا بمنطق الاعتدال، ثم بحكم قواها الناعمة المتمثلة في كونها قبلة المسلمين، وموضع ثقتهم، وثقة كافة العرب الذين ناصرت قضاياهم، ونأت بنفسها عن الانحياز إلا للحق. بدت الرياض منذ أمس الأول، كما يليق بها، عاصمة كل العرب وكل المسلمين وهي تستقبل ما يزيد على 55 قائدا وممثلا للبلدان الخليجية والعربية والإسلامية، الذين سيشاركون في اجتماعات قمتين مع الرئيس الأمريكي، وسيساهمون في صياغة رؤية مشتركة مع الولاياتالمتحدة؛ لمواجهة الإرهاب، وصناعة العالم الآمن، وسيشكلون رأس الحربة لاسترداد الميادين التي اختطفتها الميلشيات وفرق التطرف، والتبرؤ من كل من يريد أن يتاجر بدين بدينهم، الذي قام على السلام وتسمى بالسلام، والتصدي للعبث المذهبي والطائفي الذي تؤججه السياسات الإيرانية، وتشعل من خلاله الحرائق في مختلف دول الإقليم. لم تكتف الرياض بحشد كفاءاتها وطاقاتها السياسية والاقتصادية لإنجاح هذه القمم الاستثنائية الثلاث، وإنما استثمرت كل قدراتها لتطلق جملة من الفعاليات الفكرية والثقافية على هامش هذه القمم؛ لإيمانها وقناعتها بالتجربة الحية بأن مواجهة الإرهاب والتطرف لا تتم بمعزل عن توظيف الفكر النابه لتفكيك خطاب التطرف، فكان بالتالي لقاء «مغردون 2017»، الذي سيشارك فيه إلى جانب الرئيس ترامب، الشيخ عبدالله بن زايد، والأستاذ عادل الجبير، وغيرهم من المسؤولين الخليجيين، إلى جانب تلك الحوارات التي سيبعثها افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، ودعم نشر الحوار الإيجابي، إضافة إلى انعقاد منتدى الرياض لمكافحة التطرف والإرهاب، بمشاركة نخب من الباحثين ومراكز الدراسات والبحوث العالمية، كذلك زيارة مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، والعديد من البرامج كانعقاد المنتدى السعودي الأمريكي للرؤساء التنفيذيين؛ لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، وغيرها من النشاطات التي تصب في مصلحة ترسيخ الشراكات على مختلف الأصعدة، هذا غير جملة الاتفاقيات التي وقعت يوم أمس. لذلك.. وحينما نضع كل هذه التحركات الكبرى، وهذه الفعاليات التي حولت الرياض إلى ورشة عمل لا تهدأ، أمام رؤية السعودية 2030، والتي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان مهندس وعراب الرؤية، والذي يستلهم العزم والحزم من قائد هذه الأمة وزعيم العرب والمسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي أعطى الرياض هذا الحضور الباهر الذي تستحقه، نجد أننا نقف فعلا على أرضية صلبة، هي بالتأكيد محل تقدير العالم الذي لم يعد ينظر للرياض على أنها مجرد عاصمة عربية وحسب، وإنما على أنها عاصمة العرب، وعاصمة بلاد المسلمين الأمينة على حقوقهم، ومستقبل شعوبهم، والعاصمة العالمية التي لا تكتمل دائرة إستراتيجيات مواجهة الإرهاب، ولا حلقات تنمية الاقتصاد إلا بدورها الريادي، وحضورها الذي أبقى مكانتها في صف العواصم الأولى. إنها بحق.. ثمار عزم ملك الحزم، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن نايف، وتجربته الأثيرة التي تُحتذى في مطاردة ودحر الإرهاب، واستئصال شأفته من أرض المملكة، وعزيمة الأمير الشاب محمد بن سلمان ولي ولي العهد، هذا الشاب الذي أخذ معه أحلام شباب وطنه وشاباته ليرسم لهم ولوطنهم إطار رؤية وطنية طموحة. ها هي رياضنا، الآن محط أنظار العالم، وموضع ثقة هذه الوفود الرسمية التي تجوب العاصمة في أضخم تجمع سياسي واقتصادي يتم خارج إطار الأممالمتحدة، لتلتقي في الرياض، أرض الرؤية، ولتعيد صياغة الكثير من الرؤى بذات العزم، وذات الطموح الذي لا يضعف، ولا يكل، ولا يتثاءب.