منذ تأملت لوحات الفنانة إيمان الجشي أول مرة، شعرت أن لديها احساسا تجريديا قويا رغم ما كان يبدو من تعلقها بالتراث العربي الاسلامي من خلال عناصر الخط العربي، (وهي بالمناسبة تكتب خطوطها بيدها ولا تستعيرهما من أحد لتوظفها في لوحتها) والزخارف الاسلامية التي تلصقها على سطح اللوحة أو تستخدم تقنية الطباعة لتعطي الاحساس الجمالي الزخرفي والتزييني لبعض المساحات في عملها. وهي بذلك ضمن الاتجاه الحروفي العربي والمحاولة الطويلة لدمج التراث العربي الاسلامي بالأسلوب الغربي في التصوير التشكيلي. ولكن ما يلفت النظر في معرضها المقام حاليا في صالة تراث الصحراء، اقترابها أكثر فأكثر من التجريد الخالص (abstract art) المستوحى بأحد مصادره الأصيلة وهي الزخرفة العربية الاسلامية. إن امتلاك إيمان الجشي هذا الاحساس المرهف باللون وطريقة وضعه على الكانفاس وإحساسها العميق بالسطح وملامسه، بالإضافة لفهمها مسألة التجاور اللوني بتضاداته (contrast) وانسجاماته المرهفة (harmony) يؤهلها للانطلاق باتجاه التجريد الخالص فهي تمتلك جميع أدوته التقنية والابداعية، وهذا ليس متوفرا لدى الكثير من الفنانين والفنانات. لقد توقفت طويلا أمام ثلاث لوحات رسمتها إيمان بسيطرة واضحة لأحمر«فيرمليون» القوي والعصي على كثير من الفنانين والذي قد يبدو ثقيلا على العين، بيد أن إيمان استطاعت أن تروضه بجرأة باستخدام الأزرق البارد وتجعل من لوحاتها الثلاث هذه أعمالا تجريدية مكتملة. وهذا بحد ذاته انجاز هام في مسيرتها الفنية. يقول الفنان السوري الكبير فاتح المدرس: «إن التجريد الخالص أندر من أندر الجواهر الثمينة» مدللا على صعوبة الوصول إلى لوحة تجريدية خالصة. حوى المعرض 73 لوحة بأحجام مختلفة وفي معظمها تستمر إيمان باستخدام تقنيات الكولاج والطباعة لبعض النماذج الزخرفية أو استخدام الألوان الحيادية كالرمادي. ومن المعروف أن زيادة العناصر التزيينية في لوحة التصوير التشكيلي تضعف التصوير التشكيلي وتجعل العمل أقرب إلى الأعمال الديكورية، فالتزيين يشبه اضافة البهارات والملح إلى الطعام إن زاد دفع العمل باتجاه أن يكون عملا ديكوريا وهو ما لا تطمح إليه بالتأكيد الفنانة الملونة الجريئة إيمان الجشي.