لكن كيف ستصل الإيرادات غير النفطية إلى تريليون؟! تقوم الفكرة على إطلاق مجموعة من البرامج التي تحرر مكامن قوة الاقتصاد السعودي. فما مكامن القوة تلك؟ تحديداً: «أرامكو» السعودية، السوق المالية السعودية، استثمار الأموال العامة داخلياً وخارجياً، الخصخصة، التحول اللوجستي، التعدين، الشراكات الاستراتيجية (مع عشر دول، وهي دول مجلس التعاون ومصر وأمريكا والصين واليابان وجنوب إفريقيا والهند وبريطانيا وألمانيا)، وبرنامج للتحول الرقمي عبر إنشاء شركة للتحول الرقمي مع شركة عالمية رئيسة لتشمل تحويل 20 قطاعاً، وهذا سيدخل اقتصادنا في «إنترنت الأشياء» ضمن أمورٍ أخرى. إذن فالفكرة المحورية هي تحقيق الاستقرار المالي للخزانة بنهاية عام 2030، عندما لا يكون إيراد النفط أساسياً، وبتحقق ذلك نتحرر من «العروض غير الشيقة لبهلوانيات النفط» عندما تتلاطم أسعاره هبوطاً وصعوداً في وَقعٍ مؤلم، وكأنه مخاض ليس له نهاية أو قرار! بينت نتائج الربع الأول للخزانة العامة، أن العجز الفعلي نحو 50 بالمائة من المقدر، وأن الانفاق انخفض على مدى الأرباع الخمسة المنصرمة بنحو 97 مليار ريال، وإن استمر الأداء على هذه الوتيرة لنهاية العام، فقد ينتهي العام بعجز في حدود 100 مليار ريال، أي ما يوازي 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي تراجعاً كبيراً عما كان مقدراً (7.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي). لكن أفق الميزانية لا ينحصر في عام 2017 فقط، بل يمتد سنوات قادمة، فإطلالتها لعام 2020 تستوعب التغييرات التي من المؤمل أن يحدثها برنامج التحول الوطني، ولتحقق تلك المنظومة من برامج الرؤية السعودية 2030. فالميزانية العامة الآن أداة لتحقيق «الرؤية السعودية 2030». والرؤية، كما ندرك جميعاً، تشمل تحقيق عشرات الأهداف (96 هدفاً) بما يعزز وضع المواطن والوطن. وفي هذا السياق، فتحقيق الاستقرار المالي مطلب أساسي، لكنه ليس مطلوبا لذاته فقط، بل لتحقيق مطالب عدة، ليس أقلها إعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي حتى لا يُضار منخفضو الدخل نتيجة للبرامج المتعددة التي ترمي إلى رفع كفاءة استغلال الموارد وترشيد الإنفاق، وما مبادرة «حساب المواطن» إلا جهد في هذا السياق. ومرتكز آخر لتحقيق الاستقرار المالي، أننا إن أردنا تحقيقه فلا بد من إصلاح الأسواق لتصبح كفؤة، والحديث هنا يشمل السوق المالية وسوق السلع والخدمات وسوق العمل، وهي جميعاً تعج بالتشوهات. ولا يبدو أننا في عجلةٍ من أمرنا للرفع من كفاءة تلك الأسواق، فأهم دعائمها المنافسة، وبسهولة الدخول في السوق والخروج منها، كما أنه من الضروري ألا نتدخل في التسعير، بل نجعل السوق هي التي تسَعر! كما أن الاستقرار المالي سيعني أن يدفع الجميع مقابل ما يحصل عليه من خدمات، وإلا فكيف سنتخلى عن «ثقافة الريع»؟! هنا علينا أن نفرق بين الرسم، وهو ضريبة، وبين «ثمن» لخدمةٍ تُقَدم بمقابل. الآن، التوجه هو الخروج من عقلية الريع لتتحمل منشآت القطاع الخاص التزاماتها، وهي التزامات متفاوتة، ولعل التفاوت يتعلق بالمنافسة، فكلما اشتدت المنافسة خفت تلك الالتزامات، والعكس بالعكس؛ إذ إن حكر السوق على منشأة واحدة لتنفرد به أمر له ثمن، ولا بد أن تدفعه تلك المنشأة للخزانة العامة، وكذلك بالنسبة للمنشآت التي تتقاسم السوق فيما يسمى احتكار القلة فعليها أن تدفع ثمن حمايتها من المنافسين للخزانة.