ما صلة الرؤية بالفقراء وأصحاب المنشآت المجهرية والصغيرة؟ أمضت «الرؤية السعودية 2030» ستة أشهر منذ إعلانها. وكأي خطة طويلة المدى، فهي بحاجة لخطة تنفيذ، وهذه لم تعلن حتى الآن، فقد سبق اعلانَ الرؤية الإعلانُ عن ميزانية تقشفية تعاني من قصور الإيرادات (النفطية وغير النفطية) عن الوفاء بالمصروفات المُقَدرة. وفيما يبدو، فقد ألقت تلك الإجراءات (التي أوضحها بيان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2016، أوضحها في 14 بنداً) ظلالها على ما تعنيه الرؤية عند العموم؛ بأنها ارتفاع في التضخم، وخفض في الدعم على المحروقات والكهرباء والماء، وتخفيض لما يحصل عليه الموظف من دخل! لعل هناك حاجة للتمعن في هذا الأمر ودراسته: ما الانطباع العام عن الرؤية في أذهان الناس؟ هل تعني أن المواطن سيدفع للتعليم والصحة والخدمات البلدية؟ وهل تعني انه سيدفع أسعار السوق للبنزين والكهرباء والماء؟ أم تعني الرؤية أن هناك أفقا اقتصاديا مزدهرا تقدم عليه البلاد من خلال تنمية مواردها جميعاً واستغلالها الاستغلال الأمثل، بما في ذلك النفط؟ ما فهم منخفضي الدخل والفقراء لها؟ وما هو فهم أصحاب المنشآت المجهرية والصغيرة للرؤية؟ بغض النظر عما ستكون عليه إجابات الأسئلة أعلاه، فإن فصل مسار الرؤية عن مسار الميزانية العامة التقشفية أمر صعب لكنه ضروري، فالرؤية بحاجة لأرضية إيجابية صلدة لتقوم عليها، في حين أن الميزانية للعام 2016 تتأثر سحنتها بالإيرادات النفطية المتدنية من جهة، وبتنمية الإيرادات غير النفطية من خلال جملة برامج منها ما ينطوي على خفض الدعم وضغط مخصصات الباب الأول (رواتب وبدلات موظفي الخدمة العامة). وهذا يولد سؤالاً؛ كيف نفصل المسارين؟ بإضفاء شيء من الإيجابية على عام صعب مالياً، ليس من باب التجميل السطحي العابر، بل من خلال صيانة وحماية الفئات والقطاعات التي لن تتحمل التحولات التقشفية التي يفرضها تدني الإيرادات، وهذه تأتي على مستويين: مستوى اجتماعي، ومستوى قطاع المنشآت الاقتصادية. أما على المستوى الاجتماعي، بأن نستبق تطبيق إعادة هيكلة منظومة الدعم بإعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي، للاطمئنان علي أن الشرائح الفقيرة ومنخفضة الدخل من السعوديين لن تُضار نتيجة لارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهي شريحة عريضة تشمل المستفيدين من برنامج الضمان الاجتماعي، أو أصحاب الدخول المنخفضة بأن رب الأسرة يعمل ولكن عمله لا يكفيه لتغطية متطلبات أسرته، وهذه ضرورية باعتبار أن ليس لدينا حد أدنى للأجر، بما يجعلنا نطمئن بأن الأسر كبيرة العدد والتي يعولها شخص منخفض الدخل لن تعاني من العوز. وهذا يعني إعادة هيكلة شبكة الأمان الاجتماعي ليصبح الدعم موجهاً (أي مقتصراً) للمحتاجين إليه المستحقين له، أما المكتفي والغني والثري وفاحش الثراء فليس له حق في إعانةٍ من الخزانة العامة. هذه النقطة المتصلة ب «التسلسل» (sequencing) سبق أن تناولتها عشية إعلان الرؤية 2030، في برنامج «الثامنة مع الإعلامي داوود الشريان، بأن تسبق إصلاحات شبكة الأمان إصلاحات منظومة الدعم الحكومي. ويمكن الجدل بأن عكس التسلسل المقترح أعلاه يجعل تطبيق الرؤية أكثر صعوبة، باعتبار أن هناك من سيخلط بان ما جلبته له الرؤية هو تدني دخله الحقيقي، من منطلق أن إيراده من وظيفته العامة قد نقص وأن تكاليف الحياة قد ارتفعت! في حين أن شبكة أمان اجتماعية مُحدثة ستساهم في بناء الأرضية الاجتماعية الصلدة لانطلاق الرؤية، انطلاقاً إيجابياً متفائلاً. أما على مستوى المنشآت الاقتصادية للقطاع الخاص، ولاسيما المجهرية والصغيرة والمتوسطة، فهذه كذلك بحاجة للتهيئة لتصبح دعامة للرؤية، من خلال التأكد بان الطلب على منتجاتها متنامٍ من جهة، وأنها قادرة على تحمل معطيات المرحلة القادمة القائمة على انحسار الدعم الحكومي من جهة، وزيادة المنافسة نتيجة للانفتاح الاقتصادي المطرد من جهة أخرى. وهذا يعني إدخال هذه الشريحة من منشآت الأعمال في صلب النشاط الاقتصادي، من خلال إنشاء روابط قوية لها مع المنشآت الكبيرة للتوريد والتزويد والاسناد، أما أن تترك على «حافة رصيف» المشهد الاقتصادي، فهذا لن يمكنها من الاستقرار وبالتالي الاستمرار، ولن تتكون لدينا البيئة الحاضنة للريادة. وبالقطع فيتطلب الأمر النهوض بالمنظومة الداعمة للمنشآت الصغيرة. وفي هذا السياق، فبالإمكان الاستفادة من التجربة الثرية التي تملكها دول مجموعة العشرين، التي تمكن عدد منها من تحقيق نجاحات اقتصادية مدوية من خلال تسارع وتيرة مساهمة تلك المنشآت في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يشمل دولا مثل الهند وإندونيسيا وتركيا، على سبيل المثال لا الحصر، كما أن تجربة مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصاد والتنمية هي الأكثر اكتمالاً ونضجاً، لاسيما في الجوانب التمويلية. وعند إقامة هذه المنظومة على أرض الواقع، وتلمس هذه المنشآت مزايا الرؤية وما يمكن أن تجلبه من منافع، فستحظى الرؤية بدعم الشريحة الأكبر عدداً من منشآت القطاع الخاص.