«لن تستطيع معي صبرا» هكذا قالها نبي الله الخضر عليه السلام لسيدنا موسى عليه السلام «سورة الكهف». وذكر بعض المفسرين والباحثين المقصود من نبي الله الخضر هو القدر، ومفهومه حتى هذا القرن مفهوم قاصر لأننا لا نرى الصورة الكاملة فما يبدو للإنسان أنه شر ممكن أن يكون خيرا. لذلك يكون القدر هو سر الله في خلقه، والايمان بتقدير الله للكائنات أصل من أصول الايمان لا يتم الا به. هنا يقول القدر يا ابن آدم لن تستطيع أن تفهم أو تستوعب أقدار الله لأن الصورة أكبر من عقلك، قد تعيش وتموت وأنت تعتقد أنك تعرضت لظلم في موقف معين لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما أن الله قد حماك منها. وكثيرا ما يدور في أذهان الناس لماذا خلق الله الشر والفقر والامراض والحروب؟ كيف يمتلئ الكون بكل هذه والله هو الرحمن الرحيم؟ وهناك أسئلة فردية لماذا يتزوج الجميع وأنا لم أتزوج؟ لماذا يمتلك بعض الناس وأنا لم أمتلك؟ لماذا خلقني ذميمة؟ ولماذا خلقني قصيرا؟ لماذا لم أنجب أطفالا كغيري؟ لماذا مات أبي؟ ولماذا ماتت أمي؟ لماذا فقدت ابني؟ لماذا فقدت أخي؟ الشر دائما في أي زمان أو مكان هو شيء نسبي ومفهومه لدى البشر مفهوم قاصر لأننا لا نرى الصورة كاملة، فما بدا شرا لإنسان قد لا يكون شرا بل ممكن أن يكون خيرا لا يكشفه الله لك فتعيش العمر وأنت تعتقد أنه شر. النوع الثاني مثل قتل الغلام في سورة الكهف «حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية»، شر رآه سيدنا موسى عليه السلام لكنه في الحقيقة خير، ولا يكشف الله لك ذلك فتعيش عمرك وأنت تعتقد أنه شر. النوع الثالث وهو الاهم للشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري أنه لطف من الله وخير يسوقه اليك. القدر لا يتمثل في شخص بعينه وإنما هو خلق الله للشيء المكتوب الذي أراده الله، وسيدنا الخضر كما جاء في سورة الكهف «قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا». ذهب نبي الله موسى إليه بأمر الله عندما قال موسى إنه لا أحد أعلم مني فأراد الله أن يخبره أن هناك من هو أعلم منه. القدر هو علم الله بكل ما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون «الله بكل شيء عليم». القدر نوع لا كسب فيه للإنسان لأنه لا إرادة له فيه مثل اختلاف أحوال الناس من صحة ومرض وقوة وضعف وفقر وحياة وموت حيث يقول الحق تبارك وتعالى «قُلِ اللهُم مالِك المُلكِ تُؤتِي المُلك من تشاء وتنزِعُ المُلك مِمن تشاء وتُعِزُ من تشاء وتُذِلُ من تشاء بِيدِك الخيرُ إِنك على كُلِ شيءٍ قدِير». وهناك أفعال وأعمال العباد، الإنسان منح الإرادة الحرة لتكون أساس التكليف والابتلاء وليكون النجاح فيها ثمن العطاء، هذه الارادة الحرة تكسب الانسان أعمالا اختيارية ويكون مسؤولا في حدود ما منحه الله من امكانات لأنه مستحيل أن تتناقض ارادات الله مع ارادة الانسان. الإنسان يشعر بأنه مخير الإرادة فإنه يأكل بإرادته وقت ما يشعر بالجوع بغير إرادته، ويشرب بإرادته عندما يشعر بالعطش بغير إراداته، ويذهب للطبيب بإرادته عندما يشعر بالمرض بغير إرادته، ويلعب بإرادته ويتكلم بإرادته ويحرك يديه ورجليه بإرادته. وكل ذلك لا يخرج عن قدر الله علما وكتابة ومشيئة وخلقا لتمام قدرة الله وإحاطته بكل شيء.