رها محرق، شابة سعودية تمكنت وهي في سن الخامسة والعشرين من الصعود إلى قمة جبل إيفرست في العام 2013 لتدخل بذلك التاريخ كأول سيدة من المملكة ودول الخليج وكذلك أصغر سيدة عربية تحقق هذا الإنجاز. رها تحدثت عن الكثير من الأمور عبر الحوار التالي: ■ لنعد إلى البداية.. متى بدأ حلم الوصول لقمة العالم؟ ومَن كان الداعم الأول؟ الفكرة أتت حين أنهيتُ مراحلي الدراسية، وكان الوقت قد حان لكي أبحث عن حياة مستقرة، وهو الامر الذي لم أجد نفسي مستعدة له بعد، فقررتُ البحث عن تجربة أتمكّن من خلالها من تحقيق أمر مختلف، خاصة أنه قد يكون الوقت الأنسب للتفكير في أمر مماثل، فأنت لم تعُد طفلًا.. وبإمكانك استيعاب الكثير من المخاطر، أيضًا لم تتشكّل ارتباطات عملية أو أسرية بعد قد تأخذ جُلّ تفكيرك عن حب المغامرة، وكانت الصدفة فقط هي التي قادتني لاختيار تسلّق الجبال وربما لأنه أمر ينسجم مع حلمي بأن أصبح رائدة فضاء تصل إلى القمر يومًا ما، وكانت قمة جبل كلمنجارو هي تجربتي الأولى في رياضة التسلق والتي سبقتها عدة تمارين واستعدادات وتبعتها تجارب اخرى، إلى ان قرّرت بعد عام من ممارسة هذه الهواية الإقدام على فكرة صعود قمة جبل إيفرست، وهي الفكرة التي وصفها والداي بالفكرة (المجنونة) وهي ردة فعل طبيعية بالبداية؛ نتيجة خوفهما على ابنتهما ولكن بعد محاولات اقتنعا بالفكرة وقرّرا دعمي فيها حتى النهاية، وحتى اللحظة لا يزال والداي هما الداعم الأول لي في جميع مراحل حياتي العملية او حتى المغامرات والأعمال الخيرية. رها محرق ترفع علم المملكة ■ مغامرة الوصول لقمة العالم.. حدّثينا عن تفاصيل هذه التجربة وأبرز الأحداث (السعيدة أو المخيفة) والمرتبطة بذاكرتك منها؟ طبعًا نحن نتحدث عن أعلى قمة في العالم إيفرست التي تقدّر بارتفاع 8848 مترًا، ولكم أن تتخيّلوا مدى الصعوبات التي يمكن أن تواجهك وأن تخوض هذه التجربة.. وأنت قبل أن تخوض هذا التحدي يجب أن تنتصر على التحدي الأكبر وهو التحدي مع الذات، فقد كنت عنيدة مع ذاتي لأقنعها بالإقدام على هذه التجربة، وبطبيعة الحال كانت صعبة ومرهقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.. فأنت تمضي أكثر من شهرين في مسيرة تتجاوز عشر ساعات يوميًّا بتضاريس وظروف جوية صعبة متقلبة ودرجات حرارة منخفضة تصل الى 50 درجة تحت الصفر في بعض الأحيان وظروفك اليومية ليست مرفّهة فعندما تجوع تجد البوفيه أمامك أو حين تشعر بالنعاس فهناك الفراش الوثير، بل انت تنام على الارض وتكون متجردا من كافة الامور الاساسية للعيش الانساني واحتمالات الاصابة بالمرض وغيرها من العوارض التي رغم خطورتها لكنها تظل قابلة للتحكم، ولكن بالمقابل هناك العوامل النفسية لهذه التجربة وانت منقطع الاتصال تقريبا عن الاهل والاحباب.. والسبب منطقة خطرة وعوامل مناخية متقلبة لا تصلح للعيش، فجميع هذه الوقائع تضيف صعوبات اكبر لهذه التجربة وهي الصعوبات النفسية المترتبة عليها، وهل انت قادر على الاستمرار في هذه الظروف وأنت تعلم أن الموت يُحيط بك في كل لحظة بل إن مشهد الانهيار الثلجي حصل أمامي أكثر من مرة وهو بحد ذاته أمر مرعب، فلولا رعاية الله لكنتُ ذهبت ضحية أحد هذه الانهيارات التي كنتُ اراها كابوسًا يوقظني كل ليلة امضيتها هناك بل إن الكابوس لازمني لعدة اشهر حتى بعد عودتي سالمة منتصرة من هذه المغامرة. ■ كيف كان شعوركِ عندما وصلتِ للقمة؟ ومَن أول شخص تمنيتِ أن تتصلي به؟ عندما كتب الله لي الوصول إلى قمة إيفرست فإنني لا أجد الكلمات المناسبة لوصف مجموعة المشاعر التي داهمتني في تلك اللحظة، فبقدر ما شعرتُ بأنني حققت أمرًا كبيرًا ومهمًّا بقدر ما احسست بأن الإنسان صغير وضعيف وان الحياة بها الكثير من الامور التي لا يمكن أن تكتشفها إلا من خلال أن تخوض تجربة صعبة تخرجك من الروتين الآمن إلى قمة التحدي والمغامرة، وكانت أمي وأبي هما أول شخص تمنيتُ وجودهما والحديث معهما في هذه اللحظة، بعدها قررتُ انني فعلا أحتاج لفترة من الراحة ولأمارس أمور الحياة بشكل طبيعي.. الاكل والنوم وغيرهما، ومن ثم أخوض التحدي الاهم وهو ان اتمكّن من مشاركة هذه التجربة بمختلف تفاصيلها والخبرة التي حصلت عليها من خلالها، والمعاني الجميلة التي تعلمتها منها مع الآخرين. ■ تم تكريمكِ من عدة جهات عربية ودولية على هذا الإنجاز.. أيضا تمت استضافتكِ كمتحدث في العديد من المؤتمرات.. ما المحور الذي يتم دائمًا اختياركِ على أساسه؟ بالفعل حصلت على عدة جوائز تكريمًا على إنجاز تسلق قمة إيفرست وهو ما يقدمني للعالم، فأنا بالغالب اتحدث عن تجربتي ليس في مجال التصاميم كحياة عملية، بل عن المغامرة والطموح وكيف ان الانسان حين يضع نصب عينيه هدفًا سيتمكّن من الوصول إليه مهما كانت التحديات والصعوبات، ولعل النظرة العامة للمرأة حول العالم أنها محدودة الخيارات خاصة حين يتعلق الأمر بالتحدي البدني وللرياضة المثال الأوضح في هذه المسألة والتي من خلال تجربتي الخاصة في تسلّق الجبال وجدت انه بالتحلي بالإرادة والانضباط في التمارين وتحديد الخطوات اللازمة وترتيب الأولويات ستتمكّن من بلوغ الهدف. ■ رؤية 2030 وزيادة الفرص للمرأة السعودية.. ما تعليقكِ على ذلك؟ لا شك في أن رؤية المملكة 2030 أعطتنا المزيد من الأمل بما يتعلق بكامل الفرص للمرأة، فهناك خطط وطموحات أتوق لأن أشاهد أثرها في القريب العاجل، ولعلي كرياضية أهتم أكثر بما يخصّ هذا الجانب، وأتمنى أن يتم تفعيل المزيد من المبادرات التي ترتبط بجعل الرياضة جزءًا من حياتنا اليومية، ولعل البداية تكون بالتركيز على الرياضة بشكل أكبر في سن مبكرة من مراحل الدراسة للبنات فهي خطوة ستساهم في بناء جيل يتمتع بصحة افضل ويخلو من الكثير من الامراض المرتبطة بالسمنة وقلة اللياقة، ولعل هذا الامر هو ما سيتبادر إلى ذهني في حال سنحت لي فرصة للقاء آخر بسمو الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان نائب رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي، والتي اعتبر قرار تعيين سمّوها في هذا الموقع دليلًا آخر يدفعنا للمزيد من التفاؤل بما تحمله لنا رؤية المملكة، وقد كنت ممن استبشروا كثيرًا بقرار تعيين سمو الأميرة فقد عرفت سموها نموذجًا حقيقيًّا للمرأة الناجحة وهي دائمًا تترجم الأقوال إلى أفعال، وسموها على قناعة وثقة تامة بمشاريع وخطط الرؤية وما ستحققه في سبيل تطوير العديد من المجالات التي تُعنى بمستقبل الأجيال القادمة، فهي فعلا الخيار الصائب وننتظر من سموها المزيد فيما يخدم تطوير الرياضة النسائية في المملكة. ■ وقد وصلتِ لقمة العالم.. ما طموحكِ القادم؟ طموحي أن أكون قد ألهمتُ غيري للقيام بأمر مماثل بل ان تكون قمة إيفرست هي أسهل امر يمكن ان يقوم به الجيل القادم وارجو ان تصل الرسالة بأنه لا وجود للمستحيل في هذه الحياة في حال تحليت بالإرادة والشجاعة والعناد الكافي فإنك ستحقق أهدافك حتى لو كانت الوصول للقمر فمهما كانت الاهداف والقمم فالتحدي الاكبر والاول هو ان تنتصر على ذاتك لكي تتمكن من الانتصار في اي منافسة اخرى تصبو لها، وبالنسبة لتجربة الوصول لقمة إيفرست بمفهومها الوصفي انني وقفت على قمة العالم ولكن ارجو ان يتم الاستلهام من هذا المفهوم أنني كفتاة سعودية قد وقفت على قمة العالم وهو المكان المفترض لكل فتاة سعودية لأن تكون في قمة العالم مهما كان مجالها العلمي او العملي او الرياضي وألا تلتفت لأي أصوات سلبية تهدف للحد من طموحها فهي متى ما تحلت بالعزيمة والإصرار فستجد كافة الدعم سواء من قبل محيط أسرتها أو مجتمعها. الفتاة السعودية قادرة على تحقيق أهدافها لعل النظرة العامة للمرأة حول العالم أنها محدودة الخيارات خاصة حين يتعلق الأمر بالتحدي البدني وللرياضة المثال الأوضح في هذه المسألة والتي من خلال تجربتي الخاصة في تسلق الجبال وجدت أنه بالتحلي بالإرادة والانضباط في التمارين وتحديد الخطوات اللازمة وترتيب الأولويات ستتمكّن من بلوغ الهدف.. وهذه الرسالة التي أحرص على إيصالها خلال العديد من المنابر والمؤتمرات التي أشارك فيها كنموذج للفتاة السعودية التي تمكنت من الوصول لأعلى قمة في العالم لأنني ببساطة عقدت العزم على ذلك ولقيت الدعم والتأييد من أسرتي ومجتمعي ولتغيير الفكرة المحزنة التي تنتشر في الكثير من وسائل الإعلام العالمية عن الفتاة السعودية وأنها لا تزال غير قادرة على تحقيق أهدافها عطفًا على كونها تعيش في مجتمع ذكوري لا يُتيح لها الكثير من الفرص، كما أنني أطمح للاستمرار في هذا النهج دعمًا للكثير من القضايا الإنسانية. سيرة ذاتية رها حسن محرق، امرأة سعودية تمكّنت من الصعود إلى قمة جبل إيفرست، لتدخل التاريخ باعتبارها أول سيدة من المملكة العربية السعودية تتسلق أعلى قمة جبلية في العالم. أتمّت المراحل الدراسية الثلاث في مدرسة بيتي الصغير بمدينة جدة، حيث تقيم أسرتها، وبعد انتهاء المرحلة الدراسية انتقلت لتلحق بإخوتها، وبالتحديد إلى مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث درست بالجامعة الأمريكية بالشارقة وتخرجت في قسم الجرافيك. * هوايات رها محرق هي: حبها الشغوف لممارسة رياضة ركوب الخيل التي تعلمتها منذ الصغر، ومن هواياتها رياضة الغوص في الأعماق التي تصل الى 30 مترا تحت الماء، وافضل هواياتها التى تقضي أوقاتا كثيرة في ممارستها هي الفن التشكيلي، إضافة إلى هواية تربية الحيوانات، والهواية الأهم والأكثر شجاعة في حياتها هي تسلق قمم الجبال.