هي قصيدة حديثة، لا ترى فيها ما تراه في الملاحم من لمعان السيوف حتى: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه. ولا تبصر فيها حديقة حولت إلى يباب: ما ربع مية معمورا يطيف به غيلان اشهى ربى من ربعها الخرب ولا الخدود وقد ادمين من خجل اشهى إلى ناظري من خدها الترب. انك لا ترى فيها جلجامش يخوض مغامراته حتى اقتطاف نبتة الخلود، ولا فتنة هيلين، وقد غزت مخيلة هوميروس حتى دمار طروادة، بل لا تجد فيها ما يطلق عليه «ملحمة حديثة» مثل: «ملحمة عبقر» للشاعر شفيق معلوف: غمامة بينا اراها اذا شيطان شعري تحتها سائر فقال: اني جئت من بقعة خافية تدعونها عبقرا الخ هذه القصيدة المكونة من «12 نشيدا» لا نرى فيها أكثر من تقليد صغير ل«رسالة الغفران» للمعري. ما أعنيه هو قصيدة لا علاقة لها بخارج شاعرها، انها فيضان داخلي، خلق منه الشاعر زين العابدين الضبيبي عالما ملحميا جديدا، حيث نرى الشاعر بين ألفاظها مزقا وشظايا انها قصيدة: «منذ عامين». هل قرأتها؟ هل اصفر وجهك رعبا من اهوال الحرب؟ هل رأيت كيف ينسل الانسان من ذاته؟ «منذ عامين/عن شرفتي/ اطرد اللغة العاطفية» وحين تصبح العواطف خرساء بلا لغة يصبح الجمال احجارا لا لغة لها هي ايضا، ويصبح الخيال في قفص مظلم لا وظيفة لجناحيه.. ويوغل الطوفان في الداخل ليطفئ «ما اوقدته العناقات/في جسدي من حرائق جانية» حيث تصبح الذاكرة نهرا بلا ماء.. ويزداد الحزن شراسة وتوجسا حيث يهش العصافير، رمز النقاء والفرح والتحرر والطفولة.. عن «حنطة الحب في القلب» انه عكس من قال: عصافير يحسبن القلوب من الحب فمن لي بها عصفورة لقطت قلبي حينذاك تنقطع الروابط الوجدانية بينه وبين الطبيعة، حيث يلغي كل مواعيده مع الورود وحيث «يستدرك الماء، ما القصيدة اسماءه/والحروف تلم شواردها/من ركام السطور» حتى تمادى به الفزع «تلبسني فزع من ترائي الطلال/ومن صورتي المستريبة». من هذا الضياع: «منذ عامين/اكتب، اسكر، اصحو، وأمحو، اجرح، اضحك، انجو، اكره، افر، اغني، وأصمت، احلم احلم احلم، كأنني لا انام» وعلى الرغم من هذا الضياع والفراغ.. ما زالت عيناه تلاحقان الامل «غدا تحمل الحرب اشلاءها وتغادرنا للأبد».