على مدى خمسين عاما تعودت -متى وجدت فرصة- على أن أسافر إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة لأداء مناسك العمرة مشدودا بشوق دائم وحنين متواصل لأعيش هناك أياما تفوح بعبق التاريخ المشحون بعظمة الإسلام، وأسترجع ما حفلت به الرسالة المحمدية من إنجازات خالدة سطرها التاريخ بأحرف من نور تظل تضيء للأجيال طريق العزة والشموخ، طريق التوحيد والإيمان الذي تظل شعلته وهاجة لا تنطفئ أبدا. وبالأمس القريب وجدتني مشدودا بشوق كبير للسفر إلى مكةالمكرمة وآثرت أن أسلك طريق البر لأشاهد التطورات والتغيرات في المدن والقرى التي نمر بها، ويا لروعة ما رأيت، نهضة عمرانية كبيرة ومعالم نهضوية واسعة. حرصت على ألا يفوتني شيء منها، وهي مناظر تأخذ بالألباب.. ووصلنا مكةالمكرمة واتجهنا إلى الحرم المكي الشريف مع صلاة الفجر، وبدأنا نطوف بالكعبة المشرفة مع حشود يرتفع صوتها بالدعاء بقلوب خاشعة ونفوس راضية. وصلينا في مقام إبراهيم وحول الكعبة ثم اتجهنا للسعي بين الصفا والمروة في مواكب إيمانية يجللها الخشوع والدعاء لرب السماء أن ينصر المسلمين وأن يمكن لهم في الأرض ويسدد خطاهم وينصرهم على الأعداء. وهنا لا بد من الإشادة بالجهود الجبارة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة الحرمين الشريفين من توسعة وإعمار في مسيرة مستمرة وعمل متواصل ليل نهار.. وللحق والتاريخ فإن النهضة العمرانية في الحرمين الشريفين عمل عملاق يوجب على كل مسلم أن يرفع يديه داعيا بقلب خاشع للمملكة العربية السعودية، ملكا وحكومة وشعبا بدوام السلام والأمان والتقدم والازدهار.. وعلى هامش العمرة فقد زرت في مكة كل المناسك لأشاهد نهضة عمرانية عملاقة تعزز جهود المملكة في خدمة الحجاج والزوار.. أما المدينةالمنورة التي يربطني بها حنين بالغ وشوق كبير لأنني عشت فيها قبل أكثر من خمسين عاما، معلما بإحدى مدارسها زاملت فيها الكثيرين من المعلمين الأكفاء الذين لا ولن أنساهم أبدا.. وهنا يشدني الشوق إلى ذكرى متلألئة حين جلس الشيخ عبد الباسط عبد الصمد -يرحمه الله- في الروضة الشريفة، وقرأ سورة «طه»، فيخرج كل من كان في المدينة متجهين للحرم بسرعة، حتى خيل إليّ أنه لم يبق أحد إلا ويمم وجهه نحو الحرم النبوي الشريف ليحظى بسماع ورؤية الشيخ عبد الباسط وهو من هو في قراءة القرآن التي تلامس القلوب قبل الآذان. اللهم احفظ البلاد والعباد وسدد الخطى على طريق الحق والعدل والرشاد ..آمين..آمين..