هل توقفت عند السؤال الذي طرحته السيدة فيروز وهي تغني «أسامينا شُو هيّه أسامينا؟» لهذا السؤال دلالة مهمة. فنحن بالكاد نجد اسما على مسمى، ونادرا ما نسمي الأشياء بأسمائها. وقد تناولت موضوعا مشابها لهذا من قبل، وأعود إليه مرة أخرى بهدف الإضافة لا التكرار. يومها اقتبست تعليقا ساخرا للكاتب اللبناني الراحل جورج جرداق هو قوله: «ليس غريبا أن تقابل امرأة تحتاج إلى كتاب كامل لوصف ما فيها من أشكال مغلوطة ومخلوطة، فإن سألتها ما اسمها قالت: زينة أو فاتن»! وما يقوله عن المرأة يصح على الرجل أيضا. لكن، إذا تجاوزتَ تلك الدعابة الجرداقية اللاذعة، وشاهدتَ نشرات الأخبار على قنوات فضائية مختلفة المشارب والمآرب فسوف تجد شواهد حية على تزييف الواقع، وستجد تسميات متعددة لمسمى واحد. فالقتيل في نشرة أخبار هذه القناة الفضائية «شهيد»، وهو في تلك القناة «انتحاري»، وفي قناة أخرى «معارض»، وفي قناة رابعة «متمرد». وهكذا. لذلك يرى ألبرتو مانغويل في كتابه «فن القراءة» أن «كل القراءات الحقيقية قراءات ضد السائد، وأن القراءة الواعية تساعدنا على ترابط أفكارنا وسط الفوضى». ويستشهد على تلك التسميات المغلوطة بأمثلة حية، ومنها: رجل الأعمال الذي يبيع بضائع التهريب ويسمي ذلك «تجارة». لكني أستطيع هنا أن أضيف إلى ذلك المثال أمثلة أخرى كثيرة يزخر بها واقعنا اليومي. كالقائد الذي يسمي الهزيمة «انتكاسة»، والمنتج الذي يسمي الركاكة والتهريج «فنا»، والمهرج الذي يسمي صخبه وحركاته المزعجة «كوميديا». هذا التباين الصارخ بين الاسم والمسمى يستدعي إلى الذاكرة ذلك السؤال المتعلق بالهوية وتصنيف البشر. أي السؤال القائل: من أنا؟ من نحن؟ أو من أنتم؟ فإن القراءة الواعية، كما يقترح مانغويل أيضا، تطرح الإجابة التالية: «نحن، جميعا، الصور التي ندحض بها الأنماط الجاهزة، ونحن أيضا الزمن الذي نعيش فيه». وانطلاقا من هذه المقاربة يمكن القول إننا نقِيم، أحيانا، خارج «جيتو» التسميات والأنماط الجاهزة. ويبدو أنه لو أدرك دعاة التصنيف والتنميط والمفاضلة هذه الحقيقة لوجدوا أن اسما واحدا حقيقيا يجمع كل الشركاء على هذا الكوكب تلخصه كلمة: «بشر» مع أن هنالك أيضا من يقيم خارج هذه التسمية. نعم. تتعدد التسميات بتعدد المواقف والتوجهات والانتماءات والغايات. لذلك، يقِيم كل ذي عقل نقدي مستقل خارج جاذبية تلك التسميات والعناوين والشعارات فيرى الواقع بشكل أوضح.