قرأت كلاماً للموفق ابن قدامة المقدسي، أجاب فيه على من سأله: من هو السعيد؟! فقال: هو الذي إذا توقفت أنفاسه لم تتوقف حسناته! أتمنى أن ندرك جميعا هذه الإجابة العميقة جداً! فيسعى المسؤول لسعادته الدائمة من خلال تميز إدارته وبناء إنجازاته التي لا تتوقف بتوقف أنفاسه تماما، أو توقف خدماته بالتقاعد، فبعض المسؤولين رحل وما زالت ذكراه باقية، وأجره -وبالتالي سعادته- مستمراً، وبعضهم انتهى ذكره بتركه منصبه، وكأنه لم يكن شيئاً مذكوراً، والناس شهود الله في الأرض يذكرون ما يلمسون! وأتمنى من رجال أعمالنا أن يدركوا أن هذه الأموال زائلة، فإن لم تكن، فهم زائلون عنها، ولذلك ليتهم يُعملون عقولهم المبدعة في بناء مشاريع لا تتوقف أرباحها أبداً، بل إن أسهمها في تزايد، ولا أضمن أرباحاً، وأجمل صيتاً من المشاريع التي تخلص فيها النية بخدمة المحتاج وبناء الإنسان ومن ثم الرقي بالمجتمعات! وأتمنى أيضاً من كل أب وأم أن يدركا هذا القول الجميل، فيتعبان بصدق من أجل تربية أبنائهما، فكل دقيقة يصرفانها من أجل هؤلاء الأبناء، وكل ريال يوجه للرقي بهم، هو وسيلة لدوام العمل حتى وإن توقفت الأنفاس! وأتمنى أيضاً من المعلم أن يدرك أن عطاءه لطلابه ومن ثم تقديرهم له صغاراً وكباراً، أهم من شهادات التقدير الورقية والحوافز المادية، فما يصنعه بالطالب، ومن ثم ما يصنعه هذا الطالب في غيره، في استمرار لسلسلة العطاء المباركة، هو أجر ورفعة لا تتوقف! وأتمنى أيضاً من أبطال اليوتيوب والسناب شات وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي أن يستغلوا مواهبهم التي أكرمهم الله بها، في بناء سعادة دائمة من خلال مشاريع (يوتيوبية وسنابية) مشرفة وباقية يوظفون فيها مواهبهم، لأن ما ينفع الناس يمكث، وأما الزبد فيذهب جفاءً، بل قد يكون عاراً على صاحبه يسعى للتخلص منه مستقبلاً ولا يستطيع! ذكرت من استفادتهم واضحة لدي من نصيحة ابن قدامة، وإلا فالباحثون عن السعادة التي لا تتوقف بتوقف الأنفاس، والقادرون على تحصيلها -بحول الله- كثير، ولكن الموفق من وفقه الله.