قد تتوقف أمام هذا العنوان، وربما لفت نظرك حين تراه على غلاف كتاب تصادفه للمرة الأولى، وقد لا تفعل. ولكنك حين تقرأ العنوان الفرعي للكتاب فتصاب بصدمة وربما دبت في جسدك قشعريرة كما حصل معي، حين قرأت العنوان الفرعي التالي: «أنطلوجيا الشعراء العراقيين الذين قتلهم نظام البعث وصدام 1968-2003». ماذا يعني أن ينتهي بك المطاف شاعرا في أنطلوجيا من هذا النوع الغريب؟ بالتأكيد ما من شاعر يود أو يتمنى أن يصل صوته إلى الناس بين دفتي هكذا كتاب، ولكن هذا ما حدث لأربعة عشر شاعرا عراقيا قدر لهم أن يذهبوا ضحايا لأحد أقبح وأبشع الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التي عرفها التاريخ، ولعل من المؤلم والغريب وما يدخل في باب الغرائبي واللامعقول أن تجد من يدافع عن مثل هذا النظام، خصوصا بين المثقفين والشعراء، ولكن هذا ما هو حاصل لشديد الأسف. ذكرني هذا الكتاب الذي حققه حيدر الكعبي، وصدر عن دار الجمل عام 2016م، بأنطلوجيا أخرى معروفة أعدتها وترجمت نصوصها الشاعرة اللبنانية جمانة حداد، والتي حملت عنوان «سيجيء الموت وستكون له عيناك»، وهي أنطلوجيا ضخمة ومخيفة ضمت مختارات لشعراء وشاعرات من مختلف ثقافات العالم اختاروا أن يرحلوا عن عالمنا بملء إرادتهم، وهو أمر يجعل القشعريرة تتسلل إلى روحك والذعر يدب في قلبك، ومع ذلك فأولئك أمرهم ربما كان أهون (ولا شيء هين في الموت) من هؤلاء الذين استلبت منهم حياتهم بدون خيار منهم، وكل ما كان لهم من ذنب هو أنهم حاولوا (فقط حاولوا) أن يتمردوا على النظام القامع الذي كان يرزحون تحته، أو حتى مجرد أن يحاولوا الفرار منه. يقول محرر الكتاب ومحققه إنه (أي الكتاب) «قطعة حطب تلقى في نار الذاكرة قبل أن تخمد»، متحدثا عن الوجودين البيولوجي والشعري للشعراء، ففي حين يمكن إنهاء الوجود الأول ووضع حد له بقوة البطش والجبروت، فإن الوجود الآخر يبقى خارج سطوة الجلاد وآلة قمعه الجهنمية، حتى ولو بعد حين.