يتعجب د. غازي القصيبي (رحمة الله عليه) من أولئك الذين يتذكرون أحداثا ووقائع حدثت لهم في طفولتهم أو في بداية صباهم وما زالوا يحتفظون بكامل تفاصيلها وأزمان وقوعها، بعد عقود طويت من وقت حدوثها، كما أشار لذلك في مقدمة كتابه (حياة في الإدارة)، «إن عجبي لا ينتهي من أولئك الذين يتذكّرون وقائع وأحداثاً حصلت في عامهم الأول أو الثاني أو الثالث». كما أتعجب من نفسي بأنني ولله الحمد، ما زالت ذاكرتي تحتفظ بشيء من تلك الأحداث بين هذا وذاك من قصص وحكايات وأحزان وأفراح، لكن التي لها وقع كبير في نفسي وحفرت تفاصيلها على جدران قلبي وسكنت أحداثها فؤادي وأصبحت من طباعي، هي تلك اللمسات الحانية، كيف لي ألا أتذكر تلك الأحضان الشاسعة وهي تضمني عند حضوري وقبيل خروجي من صفي، تلوح لي كفوفها عند مغادرتي مدرستي (رياض الأطفال). لقد كان العام 1978م في روضة الأطفال بالهفوف التابعة لوزارة المعارف مديرية التعليم بالأحساء، كنُت هناك مع معلمتي ومربيتي ومديرة روضتي السيدة/ فوزية القصيبي، سنتان أمضيتهما معها ومع معلمات صفي، تعلمت خلالهما في روضتي الواقعة في حي الثليثية كل ما يحتاجه الطفل كي يكون فردا صالحا وأبا فاضلا. لقد تعلمت الاحترام، وكيف أذاكر وأستذكر دروسي وأقوم بعمل واجباتي دونما مساعدة، كيف أتأدب عند مخاطبتي معلمي سواء أكان رجلا أم امرأة. لقد كانت تجربتي التي امضيتها في عالم النساء مميزة وحافلة بالتفاؤل والمرح والصفاء، كن يشجعن ويحمسن ويدرسن، ليس لأنني أحد طلابهن بل ك(أمهات) لي وك(ابن) لهن. وما زلت أرى هذه الصورة تتكرر يومياً مع ابني، فهناك مدارس يشار لها بالبنان كمدارس جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، تقف شامخة الأستاذة/ مي البطاح وطاقمها من المعلمات المحترفات، كنموذج شاهدته قبل أربعين عاما وما زالت أمهاتنا تنجب أمهات فاضلات أمثالهن. أستطيع القول: إن أردنا تأسيس تعليم قوي لأطفالنا مثمر في مجتمعنا، يجب أن تبدأ مرحلة رياض الأطفال من عمر 3 سنوات، على أن يكون من يقوم بالتدريس لصفوف المرحلة الابتدائية بالإضافة إلى ما يعمل به الآن في رياض الأطفال للجنسين من النساء فقط، فهن الملتزمات المنضبطات في الحضور والأداء، الحريصات على التقويم والتقييم، المنجزات الراغبات في حمل لواء ورسالة التربية والتعليم.