تعود بدايات التفكير في الشراكة السعودية - الصينية كنموذج (بديل إستراتيجي) لما بعد العام 1988، وسرّع من ذلك التغيير في طبيعة العلاقة مع واشنطن بعد غزوها العراق عام 2003، وتلا ذلك انخفاض مبيعات المملكة من النفط إلى الولاياتالمتحدة والذي تزامن مع ارتفاع الطلب الصيني على النفط السعودي. وقد دفعت السياسة الأمريكية في ادارة الرئيس اوباما حلفاء واشنطن التقليديين لاعادة تقييم خياراتهم بهدوء. وفي المقابل، تقوم بكين بتطوير سياسات دفاعية وأمنية ذات طموح أوسع من اقليمها الجغرافي في الشرق الأقصى وهذا ما ذكره وزير الخارجية الصيني وانج يي بقوله (إن الصين سوف تتولى دورًا أكبر في الشرق الأوسط - وفي الخليج العربي بوجه خاص - وإنها في حاجة إلى زيادة تعاونها مع الرياض في الموضوعات المرتبطة بالأمن)، كما ذهبت صحيفة «South China Morning Post» بتأكيد السعى الصيني لتوطيد العلاقات مع الرياض، وخاصة في ظل تراجع الحضور الأمريكى. وعلى الرغم من استمرار حصول الرياض على قيمة الأمن بمفهومه العسكري عبر علاقاتها مع واشنطن، فقد بدأت الرياض بإضافة قيم جديدة من علاقاتها والتي تتطور، وتتمثل هذه القيم المشتركة في قيمة التنمية والتي تساهم بها بكين من خلال خبراتها في الطاقة المتجددة والطاقة النووية والبنى التحتية في الوقت الذي تسعى فيه المملكة للتخلص تدريجيًا من الاعتماد على النفط وتحقيق تقدم يتوافق مع القيم والمبادئ السعودية المحافظة. تتشكل قيمة سياسية دولية عبر تقارب المبادئ الحاكمة لخطابي الرياضوبكين الخارجيين والمتمثلين في مبدأ عدم التدخل في شئون الدول الأخرى ومبدأ احترام سيادة الدول، فتراكمت الرغبة في الاستفادة من النفوذ والتأثير الصيني بما يخدم أهداف السياسة السعودية العليا. وفي المقابل تستشعر بكين بإيجابية الرغبات الاقتصادية عبر التأكيد في الخطاب الرسمي الصيني المثمن على سياسات التنمية في دولة كالمملكة تحظى ايضًا بمكانة روحية عالمية وبدور قيادي إقليمي. ظهور الطابع الإستراتيجي على العلاقات السعودية الصينية يتفق مع «الاهتمام بالمستقبل» في مجالات التفاعل الصيني - السعودي والذي انعكس في طبيعة المشاريع المشتركة في المجالات الاقتصادية والطاقة النووية والتي تستحوذ على أولويات سياسات البلدين الداخلية والخارجية على المدى البعيد. ويدلل ظهور محدد «الاهتمام بالمستقبل» على أن قرار استمرار الشراكة وتطويرها ليس مرتبطًا بلحظة عابرة أو بنخبة حاكمة بل بمؤسسات الدولتين وقطاعات خاصة وشرائح مجتمعية في البلدين تقبل بقواعد هذه الشراكة وترى مصالحها فيها. تبدو للمملكة فُرص لتحقيق أهداف سياساتها التنموية والخارجية - بشكل يتناسب وقد يفوق قدراتها الذاتية - مع فرصة التحرك باستقلالية في العلاقات الدولية اذا ما استثمرت الرياض في علاقاتها مع القوة الصينية الصاعدة وحافظت على علاقاتها مع الولاياتالمتحدة باعتبارها القوة العالمية المهيمنة في الوقت الراهن، وعبر استغلال ثمار التفوق التنموي الصيني والتفوق العسكري الأمريكي بالتوازي. حيث تمتلك الرياض مقدرات سياسية واقتصادية وعسكرية تميزها عن باقي دول الجوار في أسلوب ادارة العلاقات مع الصين يؤهل العلاقات كي تستقر على مبدأ المنفعة المتبادلة والعلاقات المتزايدة مع قوة عالمية صاعدة. بكين تستقبل الملك سلمان وهي تقرأ تطور الشراكة الإستراتيجية مع الرياض عبر آليات اقتصادية وعسكرية لها أبعادها المستقبلية المُخطط لها أن تستمر لعقود والتي تكشف عن منافع سياسية وإستراتيجية للطرفين.