من بين كثير من مجالات العمل الخيري التي تتساوى في قيمتها الإنسانية بلا استثناء أو تمييز أجد أن التبرع بالأعضاء ينطوي على تضحية عظيمة تستحق أن نتوقف عندها ونشجعها وندعمها، فذلك فيه من الإيثار والتفاني الإنساني بصورة عميقة لا يمكن إدراك قيمتها إلا بنظرة متجردة ودقيقة الى هذا الفعل النبيل الذي يكشف عن حب للخير بمستوى يفوق الحدود الإنسانية، لذلك نجد أنه نادرا ما يتبرع أحد بجزء من كبده أو كليته أو نخاعه لآخر يحتاجها ليحيا. أولئك الذين يسعون ويسهمون في إنقاذ حيوات الآخرين ترفع لهم القبعات لأنه ما من فعل وتكريم يكافئ فضلهم على الصعيد الإنساني وإنما أجرهم على الله، ولكن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، لذلك فأقل ما نفعله أن نحييهم لأنهم المثال والنموذج الإنساني الكريم الذي نأمل ونطمح أن يتسع ويخرج من سياق النادر الى العام، وذلك لا يأتي بانتظار المجتمع وإنما بممارسة أدوار توعوية في المسارات الإنسانية والدينية من أجل دعم الجهات التي تنشط في التبرع بالأعضاء. اعتقد أن المركز السعودي لزراعة الأعضاء يضطلع بدور كبير في هذا الجانب، ويحظى بدور مهم للدولة التي تمنح المتبرعين بالأعضاء الرئيسية وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة، إضافة لعدد من الامتيازات الأخرى التي يتم منحها للمتبرعين بالقلب، أو الكبد، أو الكليتين، أو النخاع العظمي، ولكن لا يوجد نطاق خيري وإنساني واسع في هذا المجال أسوة بجمعيات تحفيظ القرآن والكسوة والإطعام، رغم أن التبرع بالأعضاء معني بالحياة وإنقاذ كثيرين يحتاجون اليها. من المهم أن تتسع القاعدة الإنسانية والخيرية في مجال التبرع بالأعضاء ويمكن لجهات معدودة أن تبذل جهدا واسعا وكثيفا في إطار التوعية بهذا العمل لدى كل شخص صحيح ومعافى وحتى التبرع بكامل الأعضاء حال الوفاة، ذلك في اعتقادي يوفر كثيرا من الأعضاء التي يمكن أن تنقذ حياة كثيرين ينتظرونها، وهو من الخير المستمر في هذا المجتمع وفي كل مجتمعات المسلمين التي هي بمثابة الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. نؤكد إيماننا العميق بأهمية الرسالة الإنسانية لكل الفاعلين في مجال التبرع بالأعضاء، ونأمل أن يجدوا الدعم المستمر لإيصال تلك الرسالة وتحقيق الأهداف الاجتماعية والخيرية والإنسانية النبيلة فذلك باب خير كبير ولكن لا يدخل منه الكثير، كما أن الخطاب الديني مهم في هذا السياق في تحفيز الناس للأجر واستنهاض قيمة الإيثار في أنفسهم، وبذلك تتكامل تلك الرسالة ومعها النفع العام حتى لا يحدث قصور في هذا الجانب يعاني منه كثيرون في صحتهم وأبدانهم.