تأتي جولة الملك سلمان الآسيوية الحالية والتى ستشمل الصين واليابان في وقت تشهد فيه العلاقات السعودية- الأمريكية تحسناً تدريجياً بعد منح الإدارة الجديدة أهمية لتنشيط علاقاتها مع حلفائها الاقليميين لمواجهة النفوذ الايراني في المنطقة كمدخل لاستعادة زخم الدور الاقليمي لواشنطن والتعامل مع قضايا محاربة تنظيم داعش (في العراق وسورية) والقاعدة (في اليمن)، ففي لقاء مع السفير الأمريكي السابق لدى الرياض مع موقع (ديفينس نيوز) اعترف السفير (جوزيف ويستفول) بأنه عاش أوقاتاً صعبة وأدار العلاقات الثنائية تحت ضغط هائل بعد ان قادت (واشنطن اوباما) الاتفاق النووي والذي كان لصالح طهران وخفف العقوبات عليها، وروى السفير انه مر بوقت عصيب تجاه البلد المضيف رغم شح المعلومات حيث لم يكن مطلعاً على تفاصيل ما كان يجرى، ويقول «لقد طلبت عدة مرات تقديم مزيد من المعلومات ولكنني أظن أن هؤلاء القائمين بالتفاوض اكتشفوا أن هذا قد يعرض الاتفاق للخطر. وسوف يخبرنا التاريخ من كان محقًا ومن كان مخطئًا بشأن ذلك». ويتساءل السفير هل أفسد ذلك العلاقة بصورة مؤقتة او دائمة مع حليف هام كالرياض، ورغم هذا دافع السفير السابق عن سياسة الرئيس أوباما تجاه المملكة حيث يرى أن الكونغرس هو من تجاهل اعتراضه الرئاسي على قانون «جاستا» المثير للجدل، وقال إن الرئيس اوباما زار السعودية أربع مرات وكان هناك عدة مكالمات هاتفية بين الرئيس والملك سلمان. كما استقبل الرئيس ولي العهد وولي ولي العهد- استثنائياً- في المكتب البيضاوي وعادةً هذا المكتب مُقتصر دخوله على رؤساء الدول. على هامش الزيارة الملكية للشرق تحدث كاتب المقال لصحيفة (ذا وال ستريت جورنال) بالقول «على الرغم من العلاقات الجيدة مع إدارة ترامب، فإنَّ السعودية تبعث برسالةٍ إلى واشنطن مفادها: نعم، إنَّكم أصدقاؤنا، لكن لدينا بدائل أيضاً» وهنا سيتم توضيح ما المقصود بالبدائل؟ حيث يزداد الحديث اثناء الزيارات رفيعة المستوى بين الرياض وبكين عن سعي البلدين لتطوير الشراكة بينهما في الجانب السياسي كبديل استراتيجي يعوض نقاط الضعف في الحلفاء التقليديين (الغرب) للمملكة. وعند البحث في مفهوم علاقات الشراكة الاستراتيجية نجد أنها علاقات تقوم على توافق طرفين أو أكثر في القيم والتوجهات السياسية، مع امتلاك القدرة والرغبة في بناء علاقات تضمن مصالح جميع الاطراف. حيث ينبغي توافر أربعة شروط رئيسية كي تستقر العلاقات مع - البديل الاستراتيجي - لفترة طويلة تتحقق مصالح الجميع. ويتمثل الشرط الأول في امتلاك البديل الاستراتيجي قدرات اقتصادية وعسكرية ونفوذا سياسيا وثقافيا تفيد الطرف الساعي للعلاقات في تحقيق بعض أو كل أهدافه، وبالتالي من الصعب اعتبار الدول الصغيرة أو محدودة الامكانيات بدلاء استراتيجيين. ويقوم الشرط الثاني على وجود رغبة لدى هذا البديل في بدء العلاقات، واقتناعه بتحقق مصالح له منها؛ فعلاقات الشراكة الاستراتيجية لا تقوم على مصالح وقتية أو من دافع المجاملة. بينما يظهر الشرط الثالث في قناعة الطرفين بمجموعة من القيم والتوجهات السياسية والثقافية يسعيان لتحقيقها في العلاقات الاقليمية والعالمية. ويتبقى الشرط الرابع - الضامن لاستمرار هذه العلاقات لفترة زمنية طويلة - وهو أن يكون هناك توافق وطني داخل البديل الاستراتيجي حول مشروع هذه الشراكة كي لا ترتبط الشراكة بنخبة أو حزب سياسي قد تسقط مع خروجه من الحكم. وعند الدخول في علاقات شراكة استراتيجية مع البديل، يجب على الطرف الساعي أن يجري حسابات المنافع والتكلفة لجملة الالتزامات التي ستفرضها عليه هذه العلاقات والتي سينبغي الالتزام بها، فقد يرى هذا الطرف أن هذه الالتزامات مهمة له ولصالحه أو قد يرى أنها مضرة وذات تكلفة عالية، وهنا يأتي عامل قوة الطرف الساعي والذي سيحدد موقفه - كتابع أو شريك - في العلاقات. أما في حال توافر أكثر من بديل استراتيجي للطرف الساعي فتزداد فرص تحقيق أهداف سياساته بشكل يفوق فرص تحقيقها بقدراته الذاتية منفرداً ويضمن تمكنه من التحرك باستقلالية في علاقاته الدولية. وتتحقق الاستفادة من البديل الاستراتيجي عبر وجود رؤية لدى الطرف الساعي بخصوص سبل الاستفادة من البديل بعد تحديد اهدافه من العلاقات، ومشاركته في بناء آليات المشاركة بتقاسمه الاعباء مع البديل. كما يستوجب تحقق الاستفادة وجود تقارب في التوجهات الاستراتيجية والقناعات والتي تقلل الجهد والوقت اللازم لفهم كل طرف متطلبات الآخر وليتمكنوا من التعامل بجدية ونجاح. أخيراً يضمن إجراء نماذج محاكاة بين مشاريع الشراكة مع البدلاء وتجارب الشراكات الطويلة الناجحة الاخرى تحقيق الاستفادة للطرف الساعي، والذي يتم عبر استخلاص سمات نجاح التجارب في تحقيق الأمن أو التنمية لأطرافها وعبر نقل هذه التجارب من بيئتها الأصلية إلى البيئة الجديدة. وللحديث عن تطبيق تلك القواعد على واقع ومستقبل العلاقات الصينية- السعودية سيكون للمقال صلة!.