فيما يبدو فقد كشر الكونجرس الأمريكي عن أنيابه للرئيس أوباما، ملوحاً بإمكانية التصويت برفض الاتفاق النووي مع إيران. لدى الكونجرس أسباب للرفض يعلم الرئيس الأمريكي بأنها وجيهة، فالاتفاق -حتى ببنوده الفنية- يمكن أن يقود في النهاية - وعلى مراحل- الى امتلاك طهران لقدرات عسكرية نووية،أو أن يصبح أمر امتلاكها القنبلة مرهوناً بمجرد صدور قرار سياسي من المرشد الأعلى خامنئي أو من يخلفه. أوباما يلوح للكونجرس بأن رفض الاتفاق قد يقود الى «حروب في الشرق الأوسط»، وأعضاء في الكونجرس يلوحون بأن الحروب قد اندلعت بالفعل، فيما يتساءل محللون أمريكيون بدهشة عما اذا كان الرئيس اوباما لا يرى ما يدور بالفعل من حروب في العراق وسوريا واليمن، والآن في تركيا . على أية حال، سواء كان الرئيس الأمريكي لا يرى ما يدور في المنطقة، أو يتظاهر بأنه لا يراه، أو أنه يراه لكن لديه قراءة خاصة لما يرى، تختلف عما تراه أغلبية الكونجرس الامريكي، وغالبية أصدقاء الولاياتالمتحدة بالمنطقة، فالحقيقة أن ثمة تبايناً في الرؤى، بين واشنطن وبين أغلب حلفائها وأصدقائها في المنطقة، هذا التباين في الرؤى ناجم بالطبع كنتيجة مباشرة لتحول في أولويات واشنطن تجاه أصدقائها التقليديين في الشرق الاوسط، قاد هؤلاء الأصدقاء الى مراجعة في العمق لاستراتيجياتهم. بعض أصدقاء واشنطن في المنطقة، راهنوا في السابق على حالة قطيعة تامة ومطلقة بين الولاياتالمتحدة وبين ايران، لكنهم فوجئوا تماما كما فوجىء حلفاء آخرون لواشنطن في أوروبا واسرائيل، باتصالات أمريكية- ايرانية، تنتهي باتفاق يتيح في جوهره- باعتراف خبراء أمريكيين ثقاة- تعزيز قدرة طهران على تهديد جيرانها في المنطقة، وبالطبع فقد تراجعت بشكل ملحوظ مستويات الثقة في الضمانات الأمنية الأمريكية لدول المنطقة، اذ كيف يمكنك أن تكون صديقي الصدوق، وصديق عدوي اللدود في ذات الوقت؟! سياسة أوباما الخارجية، وحرص ادارته ، على اغلاق ملفات ساخنة ظلت مفتوحة مع بعض خصوم الولاياتالمتحدة لعقود طويلة مثل كوباوإيران، ربما تعكس قراءة رومانسية حالمة لواقع دولي مغاير بالضرورة، فالملفات القديمة وفي قلبها ملف العلاقة مع طهران، مثقلة بالتزامات أمريكية تجاه المنطقة ، وباستحقاقات ما زال يتعين على واشنطن الوفاء بها . الاتفاق النووي الذي تدافع عنه ادارة أوباما أمام الكونجرس، قد يمر، لكنه سيفتح حال مروره باب سباق للتسلح في المنطقة لن تكون واشنطن صاحبة النصيب الأكبر من عوائده، وهو سيطلق حتماً حالة من الانفلات النووي، فالاتفاق الذي منح إيران اعترافا أمريكياً بأحقيتها في الوقوف فوق العتبة النووية، وكذلك في الاحتفاظ بقدرات نووية كانت قد بلغتها قبل الاتفاق، مع امكانية الاستفادة بعد ثماني سنوات من توقيع الاتفاق، من تقنيات مستوردة لدعم قدرتها على بناء صواريخ باليستية»ذاتية الدفع» عابرة للقارات، .. هذا الاتفاق ذاته بات غطاء محتملاً لمن يريد أن يلحق بطهران في سباق نووي سيدفع العالم كله ثمن الانفلات فيه. التعاطي مع تحول استراتيجي بهذا الحجم، يقتضي مراجعة في العمق لاستراتيجيات الدول المتضررة من نتائج الاتفاق النووي مع طهران، ويقتضي ايضا بناء استراتيجية جديدة، تستهدف في البداية لجم التهديدات الإيرانية للإقليم وللسلام العالمي، وتسعى في النهاية الى إنجاز هدفها الاستراتيجي، بتطويع طهران وإعادة دمجها في الاقليم بشروط الإقليم وليس بشروط طهران. التحولات الاستراتيجية بطيئة بطبيعتها، لكن ما تشهده المنطقة في المرحلة الراهنة، ربما يشير الى جاهزية بعض دول المنطقة بمن فيها السعودية ومصر بصفة خاصة، للتعاطي الاستراتيجي مع التحولات ومقتضياتها، ولهذا كانت زيارة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر، وكان إعلان القاهرة الصادر في ختام زيارة سموه، انعكاساً لوعي الدولتين بالخطر، ولامتلاكهما معاً ارادة تطويقه. [email protected]