يستطيع الإنسان من خلال التعامل مع المكان أن يدرك أن للمكان طبيعة خاصة، فتقوم علاقة من نوع ما بينه وبين المكان الذي يمكث فيه ساعات طوال، لهذا نجد الكثيرين يستشعرون بينهم وبين المكان أحاسيس تجعلهم يخاطبون المكان وفق الحالة النفسية التي يعيشونها وحين يكون العنوان مبرزا دمعتي كلية الآداب لهذا العام، فالمقصد أن جميع منسوبي كلية الآداب قد شاركهم المكان تألما على رحيل د. مي الحلفي، ود. محمد العربي الجلاصي.. فمن القسم النسائي جاءت الكلمات صادقة فور سماع خبر وفاة د. مي الحلفي الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بعد عودتها إلى بلدها، وهي تعاني مرارة الألم الموجع، حيث ظلت في صراعها مع المرض فترة ليست بالقصيرة، يجعلك تدرك أنك أمام أقلام كتبت عمن عرفت فجاءت الكتابة صادقة حيث تكشف عن عطاء جاد في كل ما أوكل إليها من مهام- رغم قسوة الألم- من جانب، كما تكشف من جانب ثان عن مدى ما كانت عليه من تعاون في تعاملها مع زميلاتها، كما أنها قدمت نموذجا متميزا لطالباتها وزميلاتها، حيث أصرت على الاجتهاد العلمي، فنالت الترقية إلى أستاذ مشارك وهي في أشد معاناة الألم لتقدم صورة للعزيمة والإصرار، لهذا كانت الدمعة صادقة من كلية الآداب على تلك الشخصية التي لا نملك إلا أن نسأل الله أن يرحمها برحمته الواسعة ويدخلها فسيح جناته.. ولم تتأخر الدمعة الثانية في الانسكاب، عندما أُعلن عن خبر وفاة د. محمد العربي الجلاصي الذي وافته المنية بعد صراع قاسٍ مع المرض الموجع، ولم يلتقِ أحد بهذا الرجل إلا ووجد نفسه أمام شخصية تتحلى بصفات متعددة، لعل من أبرزها الابتسامة التي لم تكن تفارق محياه، والعمق الواعي في تخصصه حيث يطرح عليك مجموعة من التساؤلات، ثم يبدأ يجيب في سهولة وعمق معا، لأنه يعرف كيف ينقل المعلومة للمتلقي! كنا نراه موسوعيا في مجال تخصصه الدقيق حيث يحاورك بوعي ويجيبك بإقناع، وإذا ما تحدث طلابه عنه بمرحلة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراة) تجد ما يؤكد مدى استفادتهم منه علما وخلقا كصورة سامية للأستاذ الجامعي الذي يعرف دوره ومسؤولياته تجاه طلابه حتى قال عنه الشاعر الدارس للدكتوراة عبدالله الخضير: من تونس الخضراء مهد ثقافة مدت إلي صفاقس سفر الكتاب نزهو بحب محمدٍ هذا جلاصي الفكر يسمو كالشهاب وإذا كان الموت واعظا فإن هذا الرحيل لهاتين القامتين يوجب على كل منا الاستعداد، فما دامت حقيقة وجودنا لا ينكرها أحد، فإن حقيقة المغادرة عن تلك الحياة الفانية لن يستطيع أيضا أن يماري فيها أحد.. فليعد كل منا عدته.. فالسفر طويل.. والناقد بصير.. والله أسأل أن يرحم أموات المسلمين أجمعين، وأن يلهم أسرة كل منهما في الأردنوتونس الصبر ما دامت القلوب مطمئنة بأن تلك هي إرادة الله الذي لا راد لقضائه..