مع المتغيرات العديدة وإعادة الهيكلة الاقتصادية التي تمر بها المملكة حالياً وحتى عام 2030 ستكون هناك العديد من المشاريع الحاضرة في مجالات مختلفة وبمختلف الأحجام، وتلك المشاريع تحتاج لقوى عاملة مؤهلة في مختلف التخصصات، وجميعاً نطمح لأن يكون النصيب الأكبر منها للأيدي العاملة المحلية، ولكن يبقى السؤال الذي لم نجد له إجابة شافية حتى الآن: ما الحل في الوقت الحالي لمشكلة النقص في العمالة والتي تواجهها أغلب المنشآت بالقطاع الخاص بكل أحجامها في ظل عدم وجود أي تقدم ملحوظ فيما يخص توظيف الأيدي العاملة المحلية؟. الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن العديد من أصحاب الأعمال النظاميين كان لهم النصيب الأكبر من الضرر بسبب تجاوزات غير النظاميين، وتزامناً مع المتغيرات والقرارات التي تم تطبيقها في سوق العمل نجد أن نسبة كبيرة منهم واصلوا بحذر في التوسع أو الانتشار حتى تتضح الصورة بشكل أكبر فيما يخص القوى العاملة والتي تعتبر من أهم عناصر نجاح أي مشروع. لا نختلف على أن سوق العمل السعودي فيه تشوهات عديدة تراكمت لسنوات ويحتاج لإصلاحات كثيرة، وفي مقال سابق ذكرت أن زيادة رسوم المقابل المالي بشكل تدريجي تزامناً مع فترة التحول، تعتبر توجها إيجابيا وخيارا لا بد منه حتى نقلل من الفجوة بين تكلفة العامل السعودي وغير السعودي ويساهم ذلك في تفضيل توظيف القوى العاملة السعودية، ولكن لا يعني ذلك أن نعطل إجراءات الاستقدام خصوصاً للوظائف التي من الصعب توظيف قوى عاملة سعودية فيها أو استخدام الأتمتة كبديل عنها. لو تمعنا في وثيقتي رؤية المملكة والتحول الوطني فسنجد أنها تدعم القطاع الخاص كأساس ولا تحتوي على أي توجه لتعقيد إجراءات الاستقدام أو إطالة مدتها، وكانت أحد الأهداف الرئيسية في برنامج التحول تقليل الفجوة بين تكلفة توظيف العامل السعودي وغير السعودي وهذا ما تم إقراره رسمياً، ولو افترضنا استمرار حجم القوى العاملة وتركيبتها الحالية نجد أنه من المحتمل أن تصل الرسوم المحصلة لخزينة الدولة عن العمالة الوافدة ما يقارب 68 مليار ريال سنوياً بحلول عام 2020م، ولكن الوضع الحالي يسير بعكس ذلك. حال القطاع الخاص صعب جداً ولا يتحمل التأخر الحاصل في إجراءات استقدام العمالة من خلال الآلية الجديدة والتي تصل بحد أدنى لخمسة وأربعين يوماً بالإضافة لفترة إنهاء الإجراءات الخارجية والتي تختلف من دولة لدولة وتصل في معدلها لما يقارب الشهر، فهذه الفترة تعتبر مكلفة وخسارة على صاحب العمل خصوصاً لمرحلة التأسيس، وبنفس الوقت تعتبر هذه الفترة خسارة لفرص عديدة عند التوجه للتوسع في المشاريع مما يعني ذلك خسارة لمشاريع ويؤدي ذلك لفقدان فرص للتوظيف ويتسبب في تسريح الموظفين الحاليين. زيادة تكلفة توظيف الوافد لا تعني مطلقاً تعقيد إجراءات الاستقدام، فهناك العديد من المنشآت تحتاج لأيدٍ عاملة وافدة في تخصصات لا يوجد لدينا البديل لها من العاطلين عن العمل ولم يتم تأهيل أي عاطل عن العمل ليكون جاهزاً لشغلها، وتلك المنشآت مستعدة لدفع التكاليف حتى لا تتأثر مشاريعهم وتوسعهم بالرغم من صعوبة الفترة الحالية، ولذلك نتمنى من وزارة العمل أن تراجع آلية الاستقدام لأن دورها في دعم القطاع الخاص مهم جداً. طالبت سابقاً أنا وغيري من الكتاب في أكثر من مقال بحلول عاجلة لتوفير فرص عمل للأيدي العاملة المحلية، فالمسألة ليست بتعجيزية كما يتخيلها البعض ولكن ينقصها التطبيق الفعلي والعاجل، خصوصاً فيما يتعلق بتأهيل الأيدي العاملة المحلية وتحويل المسار للعاطلين من حملة التخصصات غير المرغوبة في سوق العمل وبسببها حصل تكدس لأعداد ليست بقليلة في قائمة العاطلين، وذكرت سابقاً وما زلت على رأيي بأننا نحتاج إلى ترشيد في استقدام الأيدي العاملة الوافدة وبداية الترشيد كانت برفع التكاليف والإعلان رسمياً عنه، ولا يعني ذلك أن نبتر الاستقدام ونجمده بطريقة تؤدي لشلل في القطاع الخاص كما هو متبع في الوقت الحالي. كنت متفائلا جداً عند إقرار شركات تأجير العمالة باعتبارها أحد أهم الحلول التي يحتاجها القطاع الخاص، ولكن ما يحصل حالياً هو تكرار لبعض التوجهات التي يكون مضمونها صحيحا ولكن تطبيقها خاطئ، فتلك الشركات طالها تضييق من نوع آخر بالرغم من أهميتها مما أدى ذلك إلى بداية الطريق لخروجها من السوق والذي لا نتمنى أن يكون هذا مصيرها، وأهم عائق يواجه تلك الشركات يكمن في الحصول على التأشيرات والاشتراط المُلزم في تحديد المهن عند التقديم. غريب جداً أن تكون القوى العاملة معضلة لم نتمكن من إيجاد الحلول لها، فتلك المعضلة إن لم نتجاوزها فسيصاب القطاع الخاص بشلل يصعب معالجته في فترة قصيرة، فالقاعدة واضحة وبسيطة جداً فيما يخص مستقبل القطاع الخاص «بوجود مشاريع، ستتاح فرص العمل بشكل أوسع» والعكس صحيح. ختاماً، أنا مع ترشيد الاستقدام من خلال رفع تكاليفه ولكن ضد بتره بهذه الطريقة التي ستضر بمستقبل القطاع الخاص، وأتمنى أن تكون إستراتيجيتنا مقسمة لمسارين وهما «تحويل مسار العاطلين وتأهيلهم حتى نضمن لهم الوظائف» ومسار «المرونة في الاستقدام للوظائف التي لا يوجد لدينا من يشغلها من الأيدي العاملة المحلية».