في أيام الجمال والجميلين، لا يوجد خلط بين الألوان، بل لا يوجد، تقريباً، أي لون رمادي في العلاقات المهنية، الطبيب يهتم بسماعته وصحة الناس وبطونهم وأعضائهم، من عرق النسا حتى حبل الوتين والدارات الكهربية للمخيخ والنفس الأمارة، ولا يفكر أن يكون مغنياً أو راقصاً أو مضارب بورصات الفوركس. وعالم الدين، يهتم بفقهه ومنبره ونشر المحبة بين الناس وتقوى الله، ولا يدور بخلده أن يكون سياسياً، ويرى أن الحزبية زيغ من عمل الشيطان ومن أفحش المناكير والبدع. ومقدمو البرامج التلفزيونية يركزون على سلامة لغتهم ولباقتهم وحشمة هناديمهم، وان يكونوا مهيبين. بعد أن بلغت العولمة شأوها، وأخذت زخرفها وازينت، وطغت، ذابت حدود الاصطلاحات والمسميات و«تسيلت» المهن واختلطت ببعضها، حتى شهدنا، الراقصة المصرية الشهيرة، فيفي عبده، تتدلل على فضائيات العولمة، وتتحول من راقصة فقط، إلى راقصة وممثلة، ثم يعن لها أن تتحول إلى راقصة وممثلة ومقدمة برامج أيضاً، على الرغم من أنها تفتقر إلى أي مهارة صحفية، ثم تتطور «جينياً» إلى راقصة وممثلة ومقدمة برامج و«أم مثالية» بمقاييس خاصة. وشهدنا ممثلات، يتمتعن بمهارات عالية في عروض شبه عارية في أسرة النوم على الشاشة، يهرع إليهن مقدمو برامج سياسية، متلهفون متهللون مستبشرون، ليقدمن فتاوى ترسخ شرعية نظام الأسد، ولتحرق، يا بشار، 20 مليون سوري وتهدم مدن سوريا وتعدم عشرات الآلاف، لا أبا لك، ولا تبالي. ثم بدأت خلطات أخرى تترى، إذ شبكات التواصل الاجتماعي، فتحت المجال كي تتحول مقدمات البرامج في فضائيات محترفة ومهنية، إلى عارضات أزياء، يظهرن مفاتن، وتغنجات مقصودة، بلا سهو أو خطأ أو نسيان، كأنما هن والمغنية نانسي عجرم من سلالة واحدة، بلا تأنيب ضمير ولا خشية من أن تؤثر هذه الانحرافات الصحفية، على سمعة القنوات التي يعملن بها، حتى أصبحت مقدمة البرامج ال«فاشينيستا» موضة تسير بها ركبان الجامبو، وما قال أحد: إنها بدعة صحفية، حتى يظن المرء أن هذه الاستعراضات متطلب أصيل في مقررات كليات الصحافة والإعلام لا تنازل عنه، بلا عفو ولا رحمة، في مضارب العرب وسماواتهم، حتى أن كثيراً من المذيعات ومقدمات البرامج العربيات يبدو لا يثقن في قدرتهن على امتلاك الكفاءة الاحترافية، فيلجأن إلى المواهب «الاستعراضية» الأخرى. وعلى الرغم من طوفان تسونامي مذيعات «فاشينيستا»، و«هبالهن» المثير للسخرية والمغص، الذي لا يمت إلى أي احترافية صحفية بصلة، فإن الدنيا لا تزال بخير، وان الهيبة الصحفية لها سيداتها الجميلات المبدعات اللائي يجمعن بين الحشمة والاحتراف الصحفي والتألق. الإضاءات النادرة في الفضائيات العربية، وانموذجها في «الجزيرة» خديجة بن قنة (لؤلؤة الفضائيات الدائمة التوهج) وديمة الخطيب وغادة عويس ووسيلة العولمي، وفي «العربية» منتهى الرمحي، والريميتان، مكتبي وصالحة، وجيزيل أبوجودة ونادين خماش وميسون عزام وغيرهن قليلات، لا يدور بخلدي أن أي واحدة منهن ستتحول إلى «فاشينيتسا» لا في العمل ولا في أوقات «الفضاوات»، ولا أعتقد أن لدى أي منهن الجرأة أو الرغبة في التفاخر بذلك، لأنهن، أولاً: مهنيات متمكنات، وثانياً: يملكن مهارات احترافية صحفية تدعو للفخر، ما لا يحتجن معه إلى الاستعانة بمواهب أخرى، لا «نوبات» خفة ولا أطوار «تعجرم». * وتر ينتظر في شاطئ السيف بين الهجير والماء.. بين حداء القوافل، ومواويل مراكب عائدة أن تأتي موجة الحياة.. ونوارس الصباح.. وشدو صبايا ربيع الغدران.. إذ المرافئ أفئدة، ورمش العين خمائل واحات خصيبة.