كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن انتشار الأمراض السرطانية في المملكة، وأصبح حديث الساعة اليوم، تماما كما كان الحديث عن الحوادث المرورية في الاشهر القليلة الماضية ولا يزال، وإن كانت البدايات المؤلمة للحدث قد جاءتنا منذ سنوات- اطلقها مركز الأبحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي الذي كشف لنا أن عدد المصابين بمرض السرطان في المملكة قد بلغ ما يقارب 144 ألف مصاب، وأن المرضى يزيدون بنسبة 11% سنويا، وذلك بحسب الإحصاءات عام 2001- إلا أن الأكثر مرارة وألما هو أن آخر الاحصائيات تشير الى أن المملكة سجلت 14 ألف إصابة بالسرطان خلال عام واحد، أي بمعدل 39 حالة يوميا، متجاوزة بذلك عدد الوفيات المرورية في المملكة التي تقدر بحوالي 20 حالة وفاة يوميا، ووفق الإحصائية الرسمية فإن الاصابات السرطانية ترتفع بنسبة 11% سنويا، وتلك طامة كبرى، لا ريب انها تبرر لنا قرع أجراس الإنذار ورفع درجة الخطر إلى أقصاها في ارجاء الوطن!. في حوالي القرن السادس قبل الميلاد قال سقراط: إذا أردت أن أحكم على إنسان، فإني أسأله كم كتابا قرأت وماذا قرأت؟، وفي القرن الواحد والعشرين أقول: إذا أردت أن تعرف المعرض للاصابة بالسرطان فاسأله كم من الوجبات السريعة أكلت؟!. ويؤيد ذلك تلك الدراسات التي اجريت في الولاياتالمتحدة بمعهد سايلانت سبرينغ الواقع في ولاية ماساتشوستس، والتي تناولت اغلفة الوجبات السريعة والمعجنات، ووجدت أن ثلثها ملوثة بالكيماويات مثل (البولي فلورو ألكيل والبيرفلورو ألكيل)، وهذه المواد الكيميائية تسهم في زيادة خطر الإصابة بأنواع من السرطان، لأنها من الكيميائيات المصنعة التي تستخدم في أغلفة الطعام والملبوسات ومواد إطفاء الحرائق، وتستخدم لتغليف الوجبات السريعة لكونها مانعة لتسرب الماء وغير قابلة للالتصاق. في نظري لقد سحبت الوجبات السريعة البساط من تحت اقدام الاكلات الشعبية، ولو أننا اطلقنا صرخات تحذيرية مدوية ضد تناول الوجبات السريعة، ولو بحت اصواتنا بالقول إن غذاء مطاعم الوجبات السريعة بلا فائدة، فستذهب صيحاتنا هذه أدراج الرياح، ولن نجد لها صدى يثير الانتباه، وسيستمر السواد الاعظم من اطفالنا ومراهقينا واقفين بانتظام أمام (طوابير) تلك المطاعم، حتى يكاد موضوع (التخلي عن الوجبات السريعة) يصبح من رابع المستحيلات التي تضاف الى الثلاثة المعروفة في اللغة (الغول والعنقاء والخل الوفي)، وربما ان ذلك من ارهاصات العولمة التي بدأنا نخوض في مياه بركتها إلى الركب!. إن استهلاك الوجبات السريعة في المجتمع الخليجي اصبح ضمن حقائق الحياة اليومية التي لا فكاك منها، ويدعم ذلك أن لدينا في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 60 مصنعا تعمل في انتاج مواد لها علاقة بالوجبات الخفيفة، وتقدر استثماراتها بنحو 356 مليون دولار، كما لدينا مطاعم للوجبات السريعة منتشرة في كل ركن من اركان البلاد، ويقدر حجم مبيعات أشهر وأكبر ثماني سلاسل مطاعم منها في المملكة بأكثر من ثلاثة مليارات ريال سنويا. نحن لا نتهم هذه المصانع وتلك المطاعم بنشر أمراض السرطان، ولا نلغي دورها ومشاركتها في التنمية التي نشهدها، ولكننا نطالبها بالمساهمة بدورها في التوعية بالسرطان ومكافحته، وأتساءل هل هذه المصانع والمطاعم تساهم بالفعل في ذلك؟ وهل هي متواصلة مع جمعيات مكافحة السرطان أو داعمة لها؟. لقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن أربعة أسباب رئيسة للسرطان، أولها التدخين، الذي يتوفى بسببه خمسة ملايين انسان سنويا تقريبا من عدد المدخنين البالغ مليارا حول العالم، والثاني التغيرات والعوامل البيئية بما فيها الإشعاع والتلوث البيئي، والثالث دخول مواد كيميائية إلى الغذاء، والرابع السمنة التي تنتج عن التغذية السيئة. أعود إلى موضوعنا الأصل، لأذكر بالأرقام المفزعة التي ذكرتها في مستهل المقال، والتي تحتم علينا إعادة النظر في أمور كثيرة، منها تكثيف الحملات التوعوية باضرار السرطان ودعم حملات المكافحة التي تقوم بها جمعية السرطان السعودية، على أن تكون التوعية والمكافحة والتصدي عبر مشروع متكامل ذي إعداد جيد، تسهم فيه المصانع والمطاعم والمدارس والجامعات والجوامع، بل وجميع مؤسسات القطاع العام والخاص دون استثناء. ثمة هامش أريد تناوله قبل أن أنهي مقالتي، وهو يتعلق بالأمانات والبلديات، فلنا ملاحظة تتجاوز عملية مراقبة مطاعم الوجبات السريعة التي تقوم بها الأمانات والبلديات مشكورة، فنحن نأمل منها القيام بالدراسات والفحوصات اللازمة لاستبدال نوعية المغلفات التي تغلف بها المأكولات في المطاعم، والا ينحصر دورها في المراقبة فقط، بل يكون هذا الموضوع حجر الزاوية في أولوياتها ومبدأ رئيسا عند كل المفتشين التابعين لها.