قبل أن تخرج إيران من حدودها، لم يكن في هذه المنطقة سوى قضية واحدة، وهي قضية الأمة المركزية، قضية فلسطين التي كانت تحتل قائمة الاهتمام العربي والإسلامي، حينها كانت الأمة العربية تسعى بكل طاقتها للبحث عن الحلول من خلال مبادرات السلام، بعد أن جرّبت الحروب، ولم تخرج بأي نتيجة، وعندها كانت طهران تتاجر بالقضية بإطلاق اسم خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات على أحد أهمّ شوارعها، توطئة للتوغل في العالم العربي تحت هذا العنوان الديماغوجي. وبعد أن تسللت إيران عبر بوابة العراق إلى الوطن العربي أصبح لدينا عوضا عن قضية فلسطين قضية في سوريا، وأخرى في العراق، وثالثة في لبنان، واليمن ووو إلخ، ولم يعد لفلسطين أي ذكر إلا بقدر ما تحتاج إليه إيران لتسليح تابعها حزب الضاحية لإحكام قبضته على لبنان، فيما تنام إسرائيل قريرة العين كما لم يحدث من قبل حتى في أسوأ حالات تشظي النظام العربي، إلى الحد الذي باتت الحكومة الإسرائيلية تعمل على التوسع في بناء المستوطنات في استفراد للسلطة الفلسطينية بعد أن انشغلتْ الأمة بتبعات التدخل الإيراني وارتداداته، ودون أن تبدي حكومة طهران، التي زعمتْ أنها تمهد الطريق بدخول العراقوسوريا للوصول إلى القدس أي ردّ فعل، مما يؤكد أنها مجرد حلقة في سلسلة منظومة التآمر على الأمة، وإحكام الاحتلال الإسرائيلي، حيث ترتفع الأصوات فيما يتصل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لأن الأجواء التي هيأتها إيران بليّ الأعناق وصرف الأنظار إلى تلك المشاكل، التي تتوالد كالعلق في أسن التدخل الإيراني في دول المنطقة وانتهاك سياداتها، وفّرت أفضل مناخ لقوى الاحتلال لتنفيذ كل أجنداتها الاستيطانية، التي ما كانت لتجد الفرصة لإنجازها يوم كانت قضية فلسطين تحت عدسة السياسة الدولية، وعلى رأس قائمة الاهتمام الدولي، وهي خدمة لا يمكن أن تتم بالمجان بصرف النظر عما يُقال في وسائل الإعلام من الشعارات الغوغائية على سبيل الاستهلاك ليس أكثر، إذ لا بد أن يكون هنالك ثمن تم قبضه من قبل الإيرانيين مقابل هذه الخدمة، التي لا تقدر بثمن. إذن فالشيء الوحيد الذي ساهمتْ فيه إيران هو أنها رفعتْ رصيد المنطقة من قضية واحدة كانت هي محور الاهتمام إلى عشرات القضايا بفضل سياساتها العنصرية والعدوانية.