لدينا جهل كبير في فهم الاقتصاد الخفي وخلط بين غسيل الأموال المتعلق بالنظام المالي، تستر العمالة، ومكافحة المخدرات وهي ثلاثة انظمة قائمة وهامة ولكنها جزء من الاقتصاد الخفي، فلو فرضنا انها جميعا تمثل 50% من الاقتصاد الخفي في السعودية فان ما تخفيه النسبه المتبقية (50 أو حتى 40%) أخطر بكثير مما تعالجه هذه الانظمة القائمة، بل انه يغذيها في الجانب الاقتصادي بانتشار الاعمال غير الشرعية والإجرامية ويحد من فعاليتها حيث إنها لا تعالج إلا نسبة محدودة من القضايا بعد ظهورها. هكذا تختلف اجراءات مكافحة الاقتصاد الخفي الذي يعتمد على مؤشرات اقتصادية عديدة منها مؤشر النقدية الذي بزيادتها ينمو الاقتصاد الخفي بشكل سريع وبنقصانها يتقلص. في البلدان المتقدمة يتم معالجتها من خلال قوانين التهرب الضريبي واستعمال شبكات المدفوعات عند الشراء بدلا من النقدية، بل ان بعضها حدد قيمة النقدية التي يجب قبولها عند الشراء. لكن السعوديه بلد نامٍ ومع وجود هذه الانظمة إلا انه يصعب تطبيقها في معظم الاحيان لغياب المعلومات وعدم وجود نظام ضريبي على المبيعات والدخل، اللذين يساعدان على معرفه مصادر التهرب الضريبي (الزكوي والرسوم). لذا علينا ان نطور نظاما شاملا يغطي جميع جوانب الاقتصاد الخفي بدلا من انظمة مشتتة يصعب التنسيق فيما بينها، مما سيقلص التكاليف المالية على الحكومة ويحقق منافع اقتصادية واجتماعية كبيرة. وهنا الدعم توصل اليه الدكتور حامد المطيري في رسالته للدكتوراه في 2012 عن (قياس حجم الاقتصاد الخفي.. المملكة العربية السعوديه خلال الفترة 1970-2009م)، بأن المؤشرات الاقتصادية تؤكد على وجود الاقتصاد الخفي بجميع عناصره وآثاره السلبية على النمو الاقتصادي، وان ضعف تطبيق الانظمة في سوق العمل وفي سوق السلع والخدمات ووجود العمالة الاجنبية والغش التجاري وكذلك الفساد الاداري والمالي الناتج عن ضعف المراجعة والتدقيق، ساهمت في ظاهرة الاقتصاد الخفي. وأكدت رسالته بان السياسات الاقتصادية لها دور كبير في مكافحة الاقتصاد الخفي، اذا ما اخذت في الاعتبار خطورة الاقتصاد الخفي ومكافحته. لكن الذي شد انتباهي توصيته بضرورة مكافحة الاقتصاد الخفي بدراسة اسبابه وآثاره وتوحيد الانظمة التي تتناوله في نظام واحد متكامل وإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الاقتصاد الخفي، وفي هذا الاطار أعتقد أن ما توصل اليه، هو ما نحتاجه للحد من ظاهرة الاقتصاد الخفي التي تكلف اقتصادنا ما يقارب 19% من اجمالي الناتج المحلي او اكثر من 530 مليار ريال في 2013 وسيرتفع هذا الرقم في 2014 حسب تقديراتي بناء على تقرير البنك الدولي. فقد يجادل البعض ان وجود الانظمة السابقه كافية ولا نحتاج الى نظام لمكافحة الاقتصاد الخفي، وهذا جدل ناتج عن جهل كبير في فهم الاقتصاد الخفي الذي يعني الاعمال التجارية التي يتم تداولها في الخفاء سواء كانت أصلها رسمي او غير رسمي وآثارها الخطيرة على اقتصادنا الكلي. رغم ان الانظمة الحالية لم تستطع الحد من ظاهرة الاقتصاد الخفي المتزايدة، حيث إن الاقتصاد الخفي يتجاوز تلك الانظمة الى ما هو اعمق من تجارة المبادلة وهروب رؤوس اموال محلية او اختفائها والتي تقدر بمليارات الريالات او المضاربات العقارية والمالية وغيرها بطريقة غير شرعية تضر بالاقتصاد والمواطن. فان توحيد جميع الانظمة القائمة التي تكافح أجزءاً من الاقتصاد الخفي تحت مظلة نظام الاقتصاد الخفي ستكون اكثر فاعلية واقل تكلفة على ميزانية الدولة. فقد حان الوقت لوضع نظام للاقتصاد الخفي تشرف عليه هيئة لمكافحة الاقتصاد الخفي تشترك فيها جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة. ولنا عبرة في ولاية كاليفورنيا التي أنشأت (وحدة الاقتصاد الخفي) تحت اشراف المدعي العام بوزارة العدل للتعامل مع قضايا الاقتصاد الخفي في الأعمال التجارية، الضرائب، وانتهاكات الاقتصاد الخفي واستئثارها للعائدات المفقودة، وحماية العمال والأعمال التجارية من الشركات غير الشرعية والمستغلة وذلك باتخاذ الإجراءات المدنية والجنائية ضد الأشخاص الضالعين في الاقتصاد الخفي.