أن تخلو البيوت من الخادمات ليس كارثة كما يتصورها البعض ممن اعتادوا أو اعتدن وجود العاملات المنزليات في بيوتهم خلال أربعة عقود من الزمن، وعندما نعود بالذاكرة إلى نقطة البداية فإن وجود الخادمات ارتبط بالطفرة الأولى وما صاحبها من تمدد عمراني أفقي ورأسي صاحبه استقلال الأبناء عن آبائهم بعد أن كان بيت الجد يضم الآباء والأبناء، ولقد ارتبط وجود الخادمات في البيوت بمؤثر آخر يتعلق بالمباهاة والتقليد وفي حدود ضيقة بسبب تغير نمط المعيشة والسكن. وإن كان ثمة احتياج أو ربما اعتياد فيما مضى من الزمن لوجود العاملات المنزليات إلا أن دائرة الزمن ودولاب الحياة عادة يسفران عن متغيرات لذلك النسق الحياتي المعتاد. ومن نافلة القول إن وجود الخادمة يمثل عبئاً مادياً على ميزانية الأسرة هذه الميزانية التي كانت تستوعب وجود خادمة ومربية، وكذلك سائق وطباخ ومزارع إلا أن مقدرة الميزانية أضحت تعاني خاصة لمن يعيشون ضمن إطار الطبقة الوسطى الأمر الذي استوجب إعادة النظر في المصروفات. العبء المادي سبب وهناك سبب آخر من مجموعة الأسباب التي جعلت شريحة واسعة تعيد النظر في استقدام العاملات المنزليات وهي تعدد القضايا منهن التي بدأت الهروب ومن ثم السحر والسرقة والمشاكل الأخلاقية وانتهت بالقتل بالساطور في صور شنيعة من الجرائم التي كان لها صدى في مجتمعنا جعلت كثيرا من ربات البيوت يعدن النظر في استقدام الخادمات. وكان التعثر في الاستقدام وتغير الشروط والبطء في الإجراءات وإغلاق ثم فتح الاستقدام من هذه الدولة أو تلك كان من الضرر النافع فيما يبدو فقد كانت فترة الفراغ القسري في البيوت من الخادمات سبباً في تأقلم الأسر مع هذه الحالة التي فاقت فترة إجازات الخادمات التي في العادة لا تتجاوز الشهرين إلى فترة فراغ تتجاوز السنة الأمر الذي كون حالة من الاستنفار داخل البيوت كانت بداياته صعبة، ثم أصبحت سهلة إلى الدرجة التي وصل فيه كثير من ربات البيوت إلى قناعة بأن شؤونها الشخصية وشؤون بيتها الأسرية صارت إلى الأفضل في ظل عدم وجود العاملة المنزلية. وبالتأكيد فإن الحالة الفراغية من الخادمات في بيوت مجتمعنا أثرت سلباً على فئة أخرى، فليس صحيحاً أن جميع الناس عاشوا حياتهم الطبيعية بعدم وجود الخادمة. فهناك من الحالات الخاصة في بيوت مجتمعنا من يجعل وجود العاملة المنزلية فيها من الضرورات القصوى التي لا تحتمل التأخير أو التأجيل، بل إن فقدان الخادمة يوما واحدا أو حتى ساعات يعتبر مأزقاً كبيراً. ومنذ فترة كانت الفلل وحتى الشقق لا تخلو من وجود خادمة إلى الفترة التي حدث فيها التعطيش في سوق الخادمات وما صاحبه من شح في وجودهن وهذا أفضى إلى سوق سوداء رائجة للعاملات المنزليات بتأجيرهن بطرق غير شرعية بمبالغ باهظة خاصة في رمضان، إلا أن هذه الظاهرة هبطت إلى حدها الأدنى بعد سن العديد من الإجراءات النظامية والملاحقة القانونية. إن الإدارة المنزلية المثلى التي انتهجها الكثير من الأمهات بتوزيع الأدوار في المنزل على افراد البيت خاصة البنات أثمر نتائج مدهشة، فقد تحول دور البنت المدللة التي تسمى في ذاكرتنا الشعبية الخليجية «الرفلة» وهي التي لا تعرف في منزلها إلا الأكل والنوم والجوال والمسلسلات إلى ربة منزل محتملة هذه المهمة والمسؤولية على البنات «الرفلات» في المنازل ارتقت بهن من الدعة والراحة والرفاهية إلى أن أصبحن الآن ربات منازل ناجحات ينتظرهن مستقبل أسري مشرق. ولعل الذكاء الاستثماري دائماً يتوجه بالربح لمن يفكر خارج الصندوق، ولأن الحاجة أم الاختراع فقد قامت مؤسسات تجارية في مجال الاستقدام بتوفير العاملات المنزليات للبيوت بنظام الساعات ويكون الأمر تحت مظلة النظام وبعقد مبرم وبأجر شهري متفق عليه تصل فيه العاملات المنزليات إلى المنازل في ساعات محددة من الأسبوع بكامل تجهيزاتهن ويقمن بدورهن على أكمل وجه. هذه الطريقة جعلت من رب وربة المنزل يتخلصان من مسؤولية استقدام خادمة وتكاليفها ومشاكلها والتخلص الأهم من مشاركتها لهما خصوصية المنزل. ولئن كان وجود خادمة في يوم من الأيام في كل بيت سعودي أساسياً ورئيساً ليس معجزة أن يأتي اليوم الذي تخلو فيه البيوت والشقق من الخادمات إلا في حالة الضرورة القصوى، ربما حان الوقت الآن وأكثر من أي وقت مضى لتحقيق هذه الأمنية.