في أوقات مختلفة من التاريخ الإنساني تتجمع قوى مختلفة تؤثر في القيم الثقافية والنظم الاجتماعية التي توجهها وتستعملها، ففي الغرب الحديث، قدمت التكنولوجيا على نحو واضح الطاقة والاتجاه لهذا التغير الثقافي وانتقل ذلك إلى أرجاء العالم، وبدا هذا التغير يعرض لنا الآن في طرق تختلف عما كان يظهر بها من قبل، وإذا كان هذا الأمر يتطلب توضيحا واسعا لبيان التغيرات الكبيرة في الأدب والتي حدثت مؤخرا في إطار التحول من ثقافة المطبوع إلى الثقافة الإلكترونية، إلا اننا سنتعدى ذلك إلى إشارات سريعة تشير إلى صيغ أشكال الاتصال واختزان المعلومات وانتشار وانحسار القراءة منذ اختراع المطبعة وحتى ظهور الكمبيوتر، فالمطبوع والطباعة قد صنعت حرفيي الأدب وأحدثت تشكلات وتحولات أدبية ومعرفية، فماذا صنعت الثورة الإلكترونية؟. يقول الفين كونان، مؤلف كتاب «موت الأدب»: إن الكتب أضحت تنتقل من الرفوف إلى الرقائق الإلكترونية والاسطوانات التي تتشابه ولا تكشف عن الوضع المتميز للكتاب والمؤلف، وأضحى الناس يكتبون ويقرأون بدرجة أقل بينما تزداد مشاهدتهم للتليفزيون واستخدامهم للتليفون والحاسوب والوسائل السمعية والبصرية الأخرى.. وقاعات القراءة، ومخازن الكتب لم تعد الإطار اللازم للمعرفة. وعبر الإحصائيات يتكشف لنا حتى في الدول المتقدمة ومنها أمريكا تدهور المهارات المرتبطة بالقراءة والكتابة. فإذا كان هذا حال مستهلكي الأدب، فماذا سيكون حال الأدب وهو مؤسسة تعتمد على المطبوع والقراءة.