مقولة الرئيس السوري بشار الأسد «عندما نتحدث عن التفاوض حول إنهاء الصراع في سوريا، أو حول مستقبل البلاد فكل شيء متاح، وليست هناك حدود لتلك المفاوضات» والتي تسبق المحادثات الجاري التحضير لها في أستانة عاصمة كازاخستان، تفتح الباب للمزيد على تعويم الأمور في الأزمة السورية بلا حسم، فكل شيء عند الأسد معناه التفاوض في كل ما هو غير موضوع الرئاسة والحكم، فالحكم الشيء الوحيد الذي يكون خارج الحسابات لدى الأسد، وهو أمر يفترض الأسد انه لا بدّ وأن يسبقه كتابة دستور واجراء استفتاء شعبي. فهل تطوي المحادثات المنتظرة في أستانة صراع القرن الجديد، هل تنجح موسكو في لملمة ما تبقى من سوريا المفيدة التي يراها الأسد بدون كل المختلفين معه، بعدما أوجدت قوات الروس للنظام حالة أفضل من التفاوض بعد معركة حلب؟ ربما كل المجاهيل تفتح في أستانة إلا رحيل الأسد أو طرح مبدأ الرحيل من السلطة. لقد فعل بوتين ما يريد، قاد المنظور التركي للأزمة السورية لكي يتوافق معه، وجعل إيران تقنع بما يمكن أن تتمدد عليه من أرض، وفتح الباب مخرجا للأسد من خلال حسم معركة حلب، التي قُصفت ودمرت وانتهت مدينة منكوبة. لكن، هل تقبل إيران بما يمكن ان تخرج به محادثات أستانة، هل يقبل حزب الله ويعود إلى لبنان بخسائره وقتلاه؟ بالتأكيد لن تترك إيران ما حصلت عليه بكل فيالقها دون ثمن معقول، ولن يعود حزب الله لكي يقرأ في انتظارات ذوي القتلى المغلفة ببصيرة حزينة ما يسألونه عن جدوى الذهاب إلى سوريا وقد انتهت الحرب بما يشكل صفقة روسية إيرانية تركية عنوانها الغاز والقواعد العسكرية والنفوذ المفتوح للروس، وبالنسبة إليهم مزيد من القتلى والفقد. نعم هيأت موسكو بقوتها الحاسمة المشهد في سوريا للانتقال إلى حالة جديدة، وبالرغم من القلق الذي يسبق الذهاب إلى أستانة ولو على أنقاض الهدنة الروسية التركية التي تخفق كل يوم بالمزيد من الإخفاقات، وما معركة وادي بردى إلا نموذج لها. ونموذج لعدم الركون إلى التزام النظام بأي هدنة، إلا أن الخيارات قليلة أمام المعارضة. فالمعارضة السورية العسكرية تدرك عدم التزام النظام بالتهدئة، والمعارضة السياسية تدرك أن الذهاب إلى أستانة لابدّ منه، لكنها لا ترى أنه يمكن انجاز حل سياسي في ظل استمرار القصف والقتل والتدمير من قبل النظام، وطال أمد الانتظار. صحيح أن التحضيرات لأستانة تسبقها رؤية تشكلت لدى المعارضة بأن لا ضامن لنظام الأسد، لكن الرهان يظل على ما يمكن أن يتحقق للمعارضة في حالة تغيرت التقديرات الروسية لحالة الأسد هذا العام. وهو أمر قد يحدث في ظل التوافق الروسي التركي، فهي المحادثات الأولى التي تجري في ظل توافق تركي روسي على ضرورة وقف الحرب والدخول في حوار يقود لعملية سياسية. ربما تكون أستانة فاتحة جديدة في الأزمة السورية، وقد تكون مجرد محطة من محطات إطالة عمر النظام السوري، لكنها قد تكون بداية لوضع جديد يمكن أن ينهي العنف في سوريا، وعلى قواعد جديدة من المصالح لرعاة الصلح دون أن يكون للعرب دور فيه. نعم حقق الروس كل ما يريدون، الحضور في الجيوبوليتيك الإقليمي بقوة، ضمان مبيعات السلام ومنظومة الصواريخ المتطورة، وتمركز أكبر في شرق المتوسط عبر قاعدة طرطوس، وتعديل الرؤية التركية للمزيد من التوافق معهم، وتحييد اليد الأمريكية، وكشف لطبيعة علاقاتها مع العرب جميعا وأن مقاطعتهم لها غير ممكنة، وبالتالي الخسائر قليلة إذا ما قورنت بالأهداف التي تحققت، وفي النهاية تفرض موسكو مكان طاولة الحوار القادم في أستانة. وفي المقابل لم يحقق الأسد أي شيء غير المزيد من الدمار لبلده التي لا إمكانية لمغادرته كرسي الرئاسة بها بسهولة حتى ولو استدعى الأمر تدميرها. في المحصلة، طريق السوريين إلى أستانة مفعم بالمرارة ووعر إلى حد أنه يصعب تخيل انجاز حل سهل فيه، وقد حدث كل ذلك الخراب في سوريا الأم، فما تبقى قليل وما دمر كثير ويصعب تخطيه.