برد الشتاء لا يهادن ورغم أن أجواءنا كما نلاحظ في غالبها غير مستقرة إلا أن هذا الأمر يوجب مزيدا من الاهتمام من الآباء والأمهات تجاه أطفالهم وكم هو مؤلم حين أشاهد في الصباح الباكر- الذي تنخفض فيه درجة الحرارة إلى حدودها الدنيا- الأطفال في ملابس صيفية رقيقة يبدو على ملامحهم التأثر والشحوب من شدة البرودة وألم الجوع والتأثر الأكبر في حقيقته ليس من زمهرير الشتاء بل من شعور الطفل بعدم الاهتمام من والديه وخاصة من الأم. الأطفال في الغالب يتركون كل صباح ليقوموا بأنفسهم بالاستعداد لليوم الدراسي أو تسلم هذه المهمة للعاملة المنزلية والمربية التي تنفذ هذه المهمة على عجل ودون احساس بالمسئولية، فهي تقوم بواجب عملي يومي روتيني فلا يهمها ماذا أكل أو لبس هذا الطفل أو هذه الطفلة في الوقت الذي تغط فيه الأم في سبات عميق بعد ليلة سهرت فيها إلى ساعات الصباح الأولى في مشاهدة الفضائيات او متابعة سيل الرسائل والمقاطع في هاتفها الذكي. إن الطفل الذي يرتجف صباحا من شدة البرد وألم الجوع ليس في الغالب بسبب فقر مادي مدقع لأسرته بل الحقيقة بسبب فقر معنوي مدقع في الحالة العاطفية للمنزل الذي يعيش فيه وبسبب هذا الإهمال ينشأ جيل من أطفالنا يعاني فجوة شعورية هائلة بينه وبين أمه وأبيه، هذه الفجوة التي لا يمكن رتقها وستبقى مع الطفل محفورة بمخالب حادة في جميع مراحل حياته في مراهقته وفي شبابه، وهذه اللامبالاة ستنتج جيلا يعاني الاضطراب والارتباك والتشتت. يتحدث شاب في أحد مقاطع الفيديو المرسلة في الواتساب عن موقف حدث لأحد أصدقائه لم يحتط في هذا الشتاء القارس فأصيب بتوقف رئوي بسبب شدة البرودة أدى إلى ان يفارق الحياة ويناشد هذا الشاب الجميع أن يأخذوا حذرهم وألا يتهاونوا في التعامل مع الأجواء الشتائية الباردة جدا. وبالفعل فالتغيرات المناخية في السنوات الأخيرة أضحت واضحة جدا سواء في كمية الأمطار أو كثافة الثلوج أو تدني درجات الحرارة وخاصة في المناطق الشمالية من المملكة الأمر الذي يحتاج من الجميع أن يأخذوا الحيطة والحذر وألا يتعاملوا مع هذه المتغيرات ويتركوها للمفاجآت غير السارة. ولئن كانت التوعية مهمة جدا وضرورية جدا إلا أن قيام الوالدين بواجبهما تجاه أطفالهما هو الأهم فليس من الأبوة والأمومة في شيء أن يتنصلا من مهامهما الرئيسة في هذه الحياة وهي التربية والعطف والحنان وليس مقدار المال وطبيعة المسكن الذي يوفرانه لأبنائهما فالتربية والعطف والحنان حين يشعر بها الطفل والطفلة أهم من كنوز الدنيا كلها. والأكيد أن الإهمال واللامبالاة من الأمهات تحديدا ليس حكما عاما بل هناك من الأمهات من يقمن بواجبهن على أكمل وجه وأفضل صورة هن في الواقع (بطلات العالم الحقيقيات) التي يقول عنهن أدهم شرقاوي (عن اللواتي لا يكتب عنهن أحد.. عن المستيقظات فجرا، المصليات فرضا، التاليات ذكرا، المعدات فطورا، المجهزات تلميذا، الملبسات مريولا، المسرحات شعرا، المراجعات برنامجا، الجاليات صحونا، الموضبات فراشا، الحانيات ظهورا، الكانسات أرضا، الماسحات غبرا، المرتبات بيتا، الطابخات غداء، المنتظرات أولادا، المطعمات حشدا، المنظفات قدورا، المذاكرات دروسا، الحالات فروضا، المصححات إملاء، المسمعات استظهارا، المحفظات قرآنا، المعدات للنوم أولادا، أنتن بطلات العالم الحقيقيات وإن صادروا بطولتكن، فهذا العالم لا يقدر إلا من يصدر ضجيجا). * تربوي