«كان علي التصرف بطريقة أفضل» «كم كان سلوكي غبيا في ذلك الوقت» «لا يمكنني أن أنسى ما حصل» تعمل هذه الكلمات بقوة وقسوة شديدة على تشويه مفهوم الذات وخاصة حين يكون النقد موجها إلى المواقف التي كانت خياراتنا حينها أفضل قرار لنا في ذلك، نسبة لما نمتلكه من المستويات المحدودة من الخبرة والنضج النفسي في ذلك الوقت كالمراهقة أو بدء الحياة العملية أو الزوجية. قد تعود مشكلة انخفاض الثقة بالنفس إلى الاعتياد الادماني اللاواعي لممارسة لعبة القاضي والجلاد في حوارنا الذاتي الداخلي، حيث نبادر بالجلوس على مقعد القاضي وتوجيه الاتهامات وإصدار أحكام الإدانة والجلد على الذات بسبب خياراتها السابقة أو نوعية استجاباتها في بعض المواقف. إن التجارب والإخفاقات وظيفة للتعلم، لكن وهم الكمال عند البعض يحول الأخطاء من فرص تعلم إلى فرامل كابحة للتطور، ويمكننا تشبيه الأخطاء بصوت الإنذار الموجود في السيارة والذي ينطلق ليحذرنا عند تجاوز السرعة المحددة، وليس معناه أنه يهدف إلى إيقافنا عن قيادة السيارة، فإذا حصل أحدهم على معدل دراسي ضعيف فيمكن أن يكون ذلك تنبيها لتغيير عادات المذاكرة، وإذا تسرب بعض العملاء من الشركة فهو تحذير بضرورة تحسين خدمة العملاء، وحين يخسر أحد رجال الأعمال صفقة ما فقد تكون إشارة إلى ضرورة تحسين مهاراته في التفاوض والإقناع. لهذا تعد الأخطاء متطلبا أساسيا لأي عملية نمو، ولا يحصل الاقتراب المتتابع من الهدف إلا عن طريق التقويم المستمد من الأخطاء وتصويب الأداء، فبدلا من أن نخاف الأخطاء فنحن بحاجة إلى الترحيب بها أثناء عملية التعلم. إن الأشخاص الذين لا يحتملون شجاعة التجربة والخطأ يواجهون صعوبة في تطوير مهاراتهم وتحسين مواردهم، فهم يخشون التقدم لوظيفة جديدة حتى لا يتعرضوا لأسئلة لا يعرفون إجاباتها، ولا يتشجعون لتعلم هواية رياضية حتى لا يكون منظرهم مضحكا في بداية الأمر، قد يعتذرون عن تلبية الدعوة في حفلات كبيرة حتى لا يتصرفوا بطريقة غير مناسبة مع الغرباء. قد يقتل الخوف من الأخطاء أحيانا حقنا في ممارسة التعبير عن آرائنا بوضوح أو التصريح عن طبيعة مشاعرنا، ويجعلنا نكبت ممارسة ذواتنا التلقائية، ويكبل حرية الاكتشاف والتجربة لدينا؛ لأن الرغبة في الظهور بمظهر الكمال تجعلنا نحذر من الوقوع في تجارب فاشلة، وهذا بالطبع هراء معرقل لنمو الشخصية الناضجة التي تسمح لنفسها بالتعلم من التجربة والخطأ. إن تقدير الذات والثقة بالنفس ليس له علاقة بالمثالية أو الكمال وتجنب الأخطاء، بل يعتمد على القبول غير المشروط للذات كمخلوق ذي قيمة بشكل فطري، والخطأ الأهم الذي لا بد من اجتنابه هو في التعاطف مع سيناريوهات جلادك الداخلي بأن الأخطاء دليل على نقص القيمة. في المرة القادمة حين يحاول الجلاد الداخلي استدراجنا إلى فخ جلد الذات، فلنكن صارمين في تجاهل ذلك الطنين ولنتحاور مع ذاتنا بمحبة وتفهم، فأنا لست سلوكيا لأنني دوما في تجدد ونمو ولذلك سأقبل ذاتي بكل الحب والتقدير.