آليت عدم الحديث عن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي إلا بعد تدشينه، والأمر لا يستدعي أن اجتر الحديث فيه، فالذي كُتِب عنه بعد موجة المطر ربما نختلف حوله، ولهذا سيرتكز حديثي هنا على الوجه الآخر لهذا المركز. في حفل التدشين كانت لنا جولة استثنائية في أرجاء المركز، والذي ما زلت - رغم الصدمة التي أصابتني في أقل من ظرف ساعة واحدة- مفاخرا كابن من أبناء هذا الوطن بهذا المرفق، وحديثي هنا ينصب على غاياته وأهدافه واستراتيجيات وجوده، وبطبيعة الحال سأنظر إلى الجزء المليء من الكأس، وسأعول كثيرا على أن ثمة أناسا مخلصين في هذه الشركة العملاقة سيعيدون قطار المركز إلى مساره بعد أن دشنه خادم الحرمين الشريفين الخميس المنصرم. ما أعنيه بالجزء المليء من الكأس الفوائد العظيمة المرجوة من هذا المشروع الوطني العظيم في أهدافه ومراميه، أو بحسب رؤيته ورسالته، ولن أبالغ إذا أفصحت عن تطلعاتي الكبيرة في هذا المركز، ونظرتي له كمركز إشعاع ستتحدث عنه الأجيال، فالجولة التي سبقت حفل التدشين المؤجل كانت كفيلة بأن تمنحني وتمنح الحضور فكرة واضحة عن قدرة هذا المركز الثقافي السعودي الاستثنائي إن صح التعبير، ابتداء من مكتبته ذات الطوابق الخمسة، مرورا بقاعة العروض المرئية بوصفها سينما متكاملة، وصولا إلى قاعة الاحتفالات الكبرى، والمسرح، وقاعة المتحف بما تحويه من قطع أثرية ومقتنيات تاريخية. هذا المركز وبحسب إستراتيجياته لم يُؤسس ليكون مرفقا ثقافيا تقليديا يُمارس دوره بشكل مترهل وبطيء، أو يقدم فعاليات مكرورة وروتينية، وتأكيدي على هذا الأمر ينطلق من ثلاث ركائز: محاولة صناعة رؤية عصرية مواكبة ومختلفة في بناء هذا المرفق، هذا أولا، الإصرار على أن يكون فاعلا اجتماعيا عبر دعمه للمشاريع الثقافية قبل أن يفتتح أبوابه، حيث إن القائمين على المركز دعموا مشروعات ثقافية منذ أكثر من ست سنوات، وحرصوا على تفعيل دور المركز قبل أن يُدشن رسميا، بل فعلوا أكثر من ذلك وانا أحد الشاهدين حيث استقطبوا عددا من الفاعلين في المجال الثقافي واستشاروهم في كثير من التفاصيل التي قد تفيد في صناعة واقع ثقافي ملامس لحاجة المجتمع وأفراده، أما ثالثا فهي ركيزة الآلية التي يتكئ عليها المركز في تنفيذ فعالياته وتقديم أنشطته من كونها آليات مبتكرة ومتجددة وخلاقة ونحن أحوج ما نكون إلى ابتكار آليات جديدة لتقديم منتجنا الثقافي بعد أن «أهلكتنا» النمطية حد دخول ثقافتنا حيز الفتور وانعدام الجاذبية للمتلقي. أخيرا: أرجو أن لا تكون حادثة المطر ذات أثر يذكر في مركز ثقافي عظيم يحق لنا كسعوديين المفاخرة به والإفادة منه، فالمبنى قابل للإصلاح إلا أن خسارة قناة ذات فاعلية ثقافية مبتكرة كهذا المركز ليست قابلة للتعويض، خصوصا أن ثمة أناسا لديهم متعة في دق هذه المسامير ولديهم شغف غريب عجيب في تقديم الأسوأ على الأجمل.