«إلى التي قالت لي ذات ليلة وأنا في السابعة من عمري- هل صليت العشاء؟ فقلت لها كاذبا: نعم! فنظرت إلي نظرة شك، وقالت: قل ما شئت.. ولكنه قد رآك، فأفزعتني: «قد رآك» هذه.. وجعلتني أنهض لأصلي.. رغم ادعائي الكاذب! إلى أمي». هكذا أهدى الأستاذ علي بن جابر الفيفي كتابه الشهير: «لأنك الله»، لأمه، وهي لمحة عميقة المعنى، فالتربية السليمة بناء على أساس عقدي سليم، ومن تربى على أمانة أداء الصلاة، فلن يخون ربه ودينه، ولن يخون أهله ووطنه، ولن يخون أمانته في عمله وواجباته صغيرها وكبيرها. ومشكلات المراهقة غالبا هي نتاج اختلال التربية في مرحلة الطفولة، وبالعودة إلى الدراسات والواقع الذي رصدتُه خلال ممارستي الخاصة والعامة، والتعامل مع ألوف الشباب والفتيات خلال التعليم قرابة ثلاثين عاما، والاستماع إلى ألوف الآباء والأمهات خلال التدريب الأسري خمسة عشر عاما، رأيت أن المشكلة يتحمل أساسَها الآباء والأمهات بقدر كبير، بسبب توارث طرق غير سليمة في تربية الشباب، وكيل اللوم لهم، دون وعي بالخصائص الجسدية والنفسية والذهنية للمرحلة العمرية التي يمرون بها؛ مما قد يؤدي إلى انحرافهم أو فشلهم أو إصابتهم بالاضطرابات النفسية المختلفة، وهذا يجعل من تعلم فنون التعامل مع المراهقين والمراهقات ضرورة قصوى؛ لإنقاذ المستقبل من مشكلات الشباب والفتيات التي تقف عائقا أمام استقامتهم، ونجاحهم، وطموحهم، وإسهامهم في بناء أوطانهم وأمتهم. إن الآباء والأمهات ينبغي أن يعرفوا كيف يفكر الأبناء والبنات في عمر المراهقة؟ وكيف يمكن أن يكون سلوكهم معهم في هذا العمر المتوهج بالتحدي والتوتر والنمو؛ لتستثمر المرحلة العمرية وليس لتمر بسلام فقط! قد يشكو بعض الآباء والأمهات من تأخر مرحلة المراهقة وطولها لدى بعض أولادهم، واستمرار مظاهرها، ولتفسير ذلك فإن المختصين يرون أن ذلك يعود أولا إلى ضعف الشخصية التي قد يكونون هم سببا فيها؛ حين يتعاملون معهم تعاملا طفوليا وهم قد تخطوا مرحلة الطفولة وغادروا خصائصها بالكامل. والسبب الثاني: سرعة النمو أو بطؤه أو النضج وهو جانب وراثي. والثالث: الاحتكاك ببيئة خارجية سلبية أو خاطئة، وما دام هناك تأخر في النمو الانفعالي والنفسي والعقلي، فهناك إذن مخالطة سلبية يجب التنبه لها والحد من تأثيرها. السبب الرابع: الصراعات العائلية، التي تجعل نفسية الشاب ضامرة، متراجعة، مترددة، خائفة من المستقبل المهدد بالانفصال، متوترة باستمرار، فلا تنمو ولا تتقدم بشكل طبيعي. والخامس: نقص الخبرة لدى المربين، ولدى المتربين في التعامل مع هذه المرحلة، مما يجعلها تتمدد، وتستمر بعض خصائصها حتى بعد انتهاء عمرها الطبيعي «11-21». وللتعامل السليم مع هذه المرحلة الخطرة يجب فهم المرحلة وما يحدث خلالها من متغيرات مع معرفة أسبابها، والتخطيط والتوجيه المهني المبكر للشاب المراهق من خلال اكتشاف المواهب وتنميتها، وتوضيح تغيرات المرحلة للشاب نفسه وللفتاة نفسها بما يتناسب مع سنه وسنها، ويمكن- أيضا شرح عملية البلوغ وعلاماتها ومتطلباتها الشرعية عند السن المناسبة؛ للفتى «12 سنة»، والفتاة «9 سنوات»؛ حتى لا يتفاجآ بأي متغير، وليتعاملا معه تعاملا وديا طبيعيا هادئا. ومن أبرز الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء والأمهات، إهمال الوجه الآخر وهو أن المراهقة مرحلة التكليف الشرعي ودخول الشاب إلى عالم الرجال، والفتاة عالم النساء، وهنا يجب التركيز على الحفاظ على الهوية الجنسية؛ حتى لا تنحرف، فتظهر لنا ظواهر غير سوية؛ كالتخنث والتغنج عند الشباب، والتنمر والترجل «البويات» عند الفتيات. ومن الأخطاء إهمال البعد الديني وعدم مراعاة إقبال المراهق على التدين والعبادة، فإذا ترك لمن يوجهه ذات اليمين وذات الشمال ضاع في دهاليز التطرف أو التحلل. وأشير إلى أن افتراض مشكلات المراهقة ملازمة لهذه المرحلة وليست نتاج الواقع المعاصر أو التربوي، هو هروب من المسؤولية التربوية. كما أن اعتقاد أن الشباب معذور فيما يأتيه من الصبوة والانحراف بحجة كونه مراهقا هو اعتقاد خاطئ، ترك أثرا سلبيا مشينا على واقع الشاب، وشوه تاريخه. مراهقونا هم مستقبلنا القريب بإذن الله، فلنعتن بهم كما نعتني بأهم موارد الحياة على الإطلاق.