لفت نظري في قصة سليمان عليه السلام أنه احترم مشاعر النملة الخائفة من عدم احترام وجودها وتقدير مملكتها بأن يحطمها سليمان وجنوده، وما كانت تعرف أن الأنبياء يحترمون الإنسان والحيوان ويقدرون مشاعرهم، فغير سليمان مسار الجيش كله حتى يحافظ على مملكة النمل، فاحترام المشاعر لفتة تربوية جميلة ورقيقة لا تصدر إلا من رحيم كريم ومتواضع، فالمتكبر والمغرور لا يفكر إلا في نفسه، وسأعرض في هذا المقال «10» مواقف من السيرة النبوية يعلمنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية احترام الآخرين وتقدير مشاعرهم. الموقف الأول أن رسولنا الكريم عندما يرى خطأ من أحد، ما كان يوجهه أمام أصحابه وإنما يقول «ما بال أقوام يفعلون كذا» احتراما لمشاعره، والثاني عندما بال أعرابي بالمسجد فاعترض عليه الصحابة فقال لهم رسول الله «لا تزرموه» أي تقطعوا بوله، ثم علمه بعد ذلك أن المساجد للعبادة لأن الأعرابي كان جاهلا ولم يكن متعمدا فتعامل معه بكل احترام، والثالث أن رسولنا الكريم لا يجرح السائل الذي لا يستحق المال وإنما يعامله بلطف، فقد جاء رجلان للنبي في حجة الوداع وهو يوزع الصدقة فسألاه من المال، فرفع بصره ورآهما في صحة وقوة جيدة فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب»، فتعامل معهما بلطف من غير جرح مشاعرهما، فلم يقل لهما أنتما لا تستحقان من مال الصدقة لأنكما بصحة وقوة وتستطيعان العمل أو لم يكذبهما أو يغلظ عليهما. والرابع مراعاة مشاعر أصحاب المهن والمستوى الاجتماعي الضعيف فأمرنا رسول الله عندما يأتي الخادم بطعام أن نجلسه معنا أو نعطيه من الطعام فقال «إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين»، والخامس مراعاة مشاعر الأم عندما يبكي طفلها أثناء الصلاة فكان النبي يخفف في الصلاة عندما يسمع بكاء الصبي، والسادس احترام مشاعر أهل الميت فأمرنا رسول الله أن لا نسب الأموات وخاصة المسلمين لأن الشتم إذا وصل لأهله فإنهم سيتأذون فقال «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»، والسابع مراعاة مشاعر الكبير الصغير فنرحم الصغير ونوقر الكبير لقول رسولنا «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا»، والثامن مراعاة مشاعر الآخرين في قصة «سبقك بها عكاشة» عندما تحدث النبي عن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب وذكر وصفهم، فقال عكاشة أمنهم أنا يا رسول الله ؟ فقال له نعم، فقام آخر وقال أمنهم أنا؟ فقال رسول الله: «سبقك بها عكاشة»، فلم يحرجه فيقول له أنت لست منهم وحتى لا يفتح الباب لكل سائل فرد عليه رسول الله بطريقة جميلة وفيها احترام وتقدير من غير جرح للمشاعر. والتاسع الرجل الذي استأذن على رسول الله وعنده عائشة رضي الله عنها فقال رسول الله «بئس أخو العشير وبئس ابن العشير» فلما جلس تعامل معه النبي باحترام وانبسط له، فاستغربت السيدة عائشة من تصرفه فقال لها: «متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره»، والعاشر مراعاة الناس في الصلاة فقد اشتكي رجل للرسول على معاذ رضي الله عنه لأنه استفتح بالبقرة بصلاة العشاء وأطال فيها فكلم رسول الله معاذ وقال له «أفتان أنت»، فالرسول أمر من يؤم المصلين أن يخفف لأن فيهم الكبير والمريض والضعيف وذا الحاجة. بعد كل هذه المواقف والقصص فإني أسأل سؤالا تربويا وهو: هل نحن نربي أبناءنا على هذا الهدي النبوي بمراعاة شعور الآخرين واحترامهم وتقديرهم وعدم جرح مشاعرهم؟ وهل هذا الخلق موجود في بيوتنا بين الزوجين أو بين الإخوان والأقارب؟ فالاحترام وجبر الخواطر وتقدير المشاعر خلق انساني راق ونبيل ولهذا أمرت الشريعة الإسلامية في حال الطلاق بين الزوجين أن تعطى المطلقة نفقة المتعة جبرا لخاطرها على ما حصل وفي ذلك مراعاة لمشاعرها كما قال تعالى «وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين»، فمراعاة المشاعر من الذكاء العاطفي الذي نحتاجه هذه الأيام.