على مر العصور سجل التاريخ محاولات عديدة فاشلة لتوحيد أوروبا بعد انهيار الامبراطورية الرومانية، منها محاولة (شارلمان) لتوحيد المناطق الصليبية، ومحاولة (نابليون) في القرن التاسع عشر، ومحاولة (هتلر) في أربعينيات القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية جرت محاولة جديدة لتوحيد أوروبا، وذلك حين تم تشكيل (الجماعة الأوربية للفحم والصلب) في عام 1951م، بواسطة ألمانيا الغربية وفرنسا وايطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وعرفت باسم (المؤسسة الاقتصادية الأوروبية) وفي دول أخرى اطلق عليها مسمى (السوق الأوروبية المشتركة)، وتعتبر هي الأساس للاتحاد الأوروبي القائم حاليا بعضوية 27 دولة بعد خروج المملكة المتحدة منه - مؤخرا - بمحض إرادتها المناقضة لمفاهيم العولمة التى قالوا انها تقرب المسافات وتدمج وتوحد الأسواق. هذا الاتحاد يمتد على مساحة بحجم المملكة العربية السعودية مرتين تقريبا، ويبلغ عدد سكانه أكثر من (500) مليون نسمة، تأسس من 28 دولة بناء على اتفاقية اسمها (معاهدة ماسترخت)، كان ذلك في عام 1992م، وهذه الاتفاقية تهدف الى سياسة زراعية مشتركة وصيد بحري موحد مع عمله موحدة (اليورو)، وقد تبنت اليورو 19 دولة من الاتحاد، ووضع الاتحاد شروطاً على الدول التي ستنضم إليه، منها أن تتمتع الدولة العضو بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية، وأن تحترم حقوق الإنسان وحقوق الاقليات، وتقوم بتعديل قوانينها وتشريعاتها بما يتناسب مع القوانين والتشريعات الأوروبية التي وضعت منذ تأسيس الإتحاد، وربما أن في هذه الشروط ما عرقل دخول تركيا إلى هذا الاتحاد. اليوم جاء دور (التفتيت) بعد موافقة البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتعتبر (بريطانيا) خامس أكبر اقتصاد في العالم، وقد استقال رئيس وزرائها ديفيد كاميرون من منصبه، وهو الذي دعا إلى استفتاء ببقاء أو خروج المملكة المتحدة من الاتحاد قبل ثلاثة أعوام، ورغم أنه هو الذي قاد حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي إلا أنه خسر مقامرته. هناك مطالبات من لندنيين بإعلان لندن مستقلة عن المملكة المتحدة ويطالبون بالانضمام للاتحاد الأوروبي بمدينة لندن فقط لكونها مدينة دولية، كما استيقظت أحلام الانفصال في أسكتلندا (شمال بريطانيا)؛ لأن ثلثي سكان اسكتلندا البالغ عددهم حوالي (5) ملايين نسمة أيدوا البقاء في الاتحاد الاوروبي، واعتبرت رئيسة الوزراء الأسكتلندية (نيكولا ستارجون) إنه من «غير المقبول ديمقراطيا» أن تخرج أسكتلندا من الاتحاد الاوروبي ضد رغبتها، حيث أيد ثلثا الناخبين فيها البقاء في الاتحاد، وهذا التصريح هزّ لندن وأيقظ أحلام انفصال الإسكتلنديين عن بريطانيا العظمى، صاحبة وعد بلفور، التي بدأت تترنح بعد أن قالت (ستارجون): إن خيار تنظيم استفتاء ثان بشأن الاستقلال يجب أن يكون مطروحا على المائدة.. وهي تعني استقلال اسكتلندا عن بريطانيا، والجدير بالذكر أن ايرلندا الشمالية ايضاً فيها من يلمح بالاستقلال عن بريطانيا، ومن السلبيات التي تواجهها بريطانيا هي ان الانسحاب سيعرقل حرية تنقل البريطانيين داخل الاتحاد الاوروبي، حيث سيطالبون بالحصول على تأشيرة لدخول الاتحاد، شأنهم شأن الغرباء على الاتحاد، وهذا سيطبق على حوالي مليون بريطاني يعيشون في دول أوروبية منها اسبانيا وإيرلندا وفرنسا والمانيا، وسيتضرر هؤلاء؛ حيث سيطالبون بتأشيرة للاقامة وبتراخيص للعمل.. هناك من يراهن على ان خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون من صالح البريطانيين، ويعللون ذلك بعدة أسباب منها أن الدول الأوروبية تستفيد من بريطانيا أكثر من استفادة بريطانيا منها، ووجود حوالي ثلاثة ملايين عامل في بريطانيا قدموا من دول الاتحاد الأوروبي وشغلوا وظائف يفترض أن تكون للبريطانيين.. السؤال هو هل ستتفتت أوروبا أم ستتوحد؟!.. البعض يقول: ستبقى أوروبا موحدة بغض النظر عن خروج أو بقاء بريطانيا في الاتحاد؛ لأن بريطانيا تعتبر (جغرافياً) جزيرة منفصلة نوعا ما عن أوروبا، والبعض الآخر يرى أن خروج بريطانيا من الاتحاد هو بداية لانفراط (العقد) الأوروبي.