أكد الناقد الدكتور عادل خميس الزهراني أن مفهوم «الكتابة» كمؤسسة اجتماعية مستقلة يشهد ظواهر تاريخية غير مسبوقة تحتم على المختصين إعادة النظر في الأبعاد الفلسفية الرئيسية التي تقف خلف هذه المؤسسة. جاء ذلك في ورقته النقدية «في مفهوم الكتابة من النقش إلى النقر» خلال جلسة بنادي جدة الأدبي، واشار الزهراني الى أن الجمهور اليوم لا يهتم بأحكام المتخصصين بل يصنع تقاليده، ويؤطر مفاهيمه كما يريد، في ظل حالة التشظي التي تفرضها مرحلة ما بعد الحداثة، بمساعدة قوية من التقدم التكنولوجي. وأضاف قائلا: نعم.. بدأت الكتابة فبدأ التاريخ.. لكن.. يبدو أن الشتات هو مصير «الكتابة» الحتمي، فقد كرست الكتابة عمرها خوفا على البشرية– وعلى أهم ما تمثله– من الشتات الذي أخذ عهدا على نفسه أن يرهن حياته ليجعل مصيرها مرتبطا به منذ فجر التاريخ. أخذت الكتابة على عاتقها مهمة البقاء «النوعي» للإنسان. لكنه بكسله وموضوعيته الزائفة ظل زمنا يصنفها في مرتبة أقل من الفكر، ومن اللغة. حتى جاء دريدا لينتصر لها بطريقته التي لا ينقصها الجدل دائما وأبدا. لكم أن تتخيلوا: بدأت الكتابة نقشا بالأصابع، والأغصان، والأحجار.. بدأت رسما للأفكار، حفرا في الجسد، نحتا في الصخر، والإنسان يفعل هذا دوما في معركته مع الوجود.. تلك التي نسميها عادة «معركة البقاء». في تلك المساحة بين الفكرة وكتابتها، تكمن كثير من الأسئلة، وكثير من أجوبتها. ومضى الزهراني مشددا على أننا في هذا الزمن السريع، والوجبة السريعة، والخبر السريع العاجل، والاتصال السريع، والمحاضرة المكبسلة سريعة التحضير، في حاجة لمراجعة بعض مبادئنا ومفاهيمنا. وخلص إلى أن حالة التشظي التي تطال جوانب اجتماعية واقتصادية وفكرية شتى تجعل الآراء حول مصائر الكتابة في هذا العصر متباينة، والمواقف مترددة بين القلق والاندفاع. وعليه فهو يعتقد أن مجابهة هذه الحالة بالاعتماد على أسلحة المنطق التقليدية فقط، ضرب من الخطأ المنهجي. وما مفهوم «الكتابة» إلا واحد من منظومة مفاهيم تهتز يوما بعد آخر. تهتز، وتهز ثقتنا في أنفسنا، وفي مدى فهمنا لهذا الوجود الغامض، الحقيقي كان أم الافتراضي. شهدت الحلقة التي أدارها الناقد الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدة من الحضور.