مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا الكندي الجنسية، كان هو «الراشد الوحيد في الغرفة» منذ تصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي، وفقا لما يقوله داني بلانتشفلاور، العضو السابق في لجنة السياسة في بنك إنجلترا. وهو تقييم يوافق عليه الكثيرون. لكن للأسف يبدو أن كارني يعد العدة لخروج بريطاني خاص به. رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ووزير الخارجية السابق وليام هيج، ووزير العدل السابق مايكل جوف، صرحوا جميعا بملاحظات في الأسابيع الأخيرة من شأنها إضعاف الاستقلال الذي يتمتع به بنك إنجلترا في مجال السياسة النقدية. ووجهت انتقادات عامة إلى كارني على عدم ارتياحه قبل وبعد التصويت على عضوية بريطانيا. بل إن بعض المجلات السياسية الرصينة تتنبأ منذ الآن بأن جيكوب ريز موج، عضو لجنة الخزانة، وهو من أكبر منتقديه، ربما يكون خلفه في رئاسة بنك إنجلترا. يقول كارني إنه سيقرر بحلول نهاية هذا العام ما إذا كان سيغادر بنك إنجلترا في عام 2018 - وهي خطته الأصلية عند تعيينه - أو ما إذا كان سيبقى في المنصب ثماني سنوات كاملة حتى عام 2021. لكن خلال شهادته أمام مجلس اللوردات أظهر نوعا من التردد حين قال: «لا أريد أن أربط الوضع ببنك بريطانيا إلى ما بعد سنتين من الآن». أغلب ظني أنه كان سيقول «أربط خلفي». وهو ما يعني بأنه يتوقع أن يكون له خلف خلال سنتين. حاول كارني جاهدا ليؤكد أنه في حال مغادرته فإن هذا سيكون قرارا شخصيا تماما. لكني أعتقد أن ما يقصده هو أنه يمهد الأرض للرحيل وفي الوقت نفسه تخفيف حدة الصدمات البعدية المحتملة التي سوف تترتب على رحيله. حيث قال: «شأني شأن أي شخص آخر، لدي ظروف شخصية لا بد لي من أن أتولى أمرها. الوظيفة الحالية تتطلب انتباها تاما طوال الوقت، وأنا أعتزم أن أعطيها هذا الانتباه لأطول فترة ممكنة. لا ينبغي لأي شخص أن يرى في ذلك أي شيء له علاقة بالقرارات حول سياسة الحكومة». لكن كارني لا يتحدث في اهتماماته الشخصية عن المكان الذي يريد فيه أن يرسل أطفاله إلى المدارس. في اليوم التالي على التصويت بالخروج، عقد كارني مؤتمرا صحفيا طارئا على التلفزيون، حيث تعهد بتقديم مبلغ إضافي مقداره 250 مليار جنيه (305 مليارات دولار) من المساعدة المالية للنظام المالي. في ذلك الحين كان ديفيد كاميرون قد أعلن عن استقالته كرئيس للوزراء، وكان هناك خطر بأن تبقى بريطانيا بدون قائد لعدة أشهر، وكان الجنيه يعاني أصلا من حالة من السقوط الحر. لذلك سعى كارني في مؤتمره الصحفي ليظهر بمظهر رجل الدولة المسؤول بهدف طمأنة المتداولين والمستثمرين أن البنك المركزي قام بواجبه وهو يقف على استعداد للتدخل لضمان الاستقرار المالي. خلال بقية اليوم، استقر وضع الجنيه. مع ذلك، في وقت مبكر من هذا الشهر أشار ريز موج من حزب المحافظين إلى كارني لا يصلح للمنصب: «في كل مناسبة كان يريد أن يقلل من الوضع الاقتصادي ويعتبر أن هناك أمورا سيئة سوف تحصل. وهذا في رأيي ليس وظيفة محافظ البنك المركزي. ولا يبدو عليه مطلقا أنه يريد الاعتراف بنتيجة الاستفتاء على خروج بريطانيا وأن يتابع حياته. يبدو أنه لا يقبل بالخسارة». حين تولى كارني منصب محافظ بنك إنجلترا في عام 2013، كان الاقتصاد يسير بشكل لا بأس به، بحيث شعر كارني في يونيو 2014 أن عليه التحذير من إمكانية رفع أسعار الفائدة. لكن في أعقاب قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، كان يبدو بدلا من ذلك أنه سيكون على رأس قرار بتخفيض أسعار الفائدة. من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لم تعد المملكة المتحدة تبدو وكأنها الأمة المنسجمة التي هاجر إليها كارني من كندا. إذا غادر كارني نهائيا، فإنه لا مجال أمام الحكومة إلا أن تلقي باللوم على نفسها.