عندما أتحدث مع أصدقائي في إدارة الأصول، غالبا ما أسمعهم يعربون عن قلق عميق ومتأصل بشأن أسعار الفائدة المتدنية. والمخاوف من أن أسعار الفائدة المنخفضة يمكن أن تشعل التضخم، أو تتسبب في تعثر وإعسار الحكومات في تسديد ديونها، يبدو أنها انحسرت. فأنا لم أعد أسمع الكثير من الناس يتحدثون عن «فقاعة سندات». لكن هنالك مصدرًا مهمًّا من مصادر القلق الكبيرة لن ينتهي، يتمثل في الفكرة التي مفادها أن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تسبب في حالة من عدم الاستقرار المالي. الفكرة هي أن الأسعار المنخفضة تشجّع المجازفة المفرطة، في العالم المالي وكذلك ربما في عالم الشركات. ذلك أن مديري الأصول، الغارقين في بحر الأموال الرخيصة، سيحاولون رفع أسعار الأصول المالية لتصل إلى مستويات تفوق كثيرًا قيمتها المستدامة. وسيحاولون تحقيق العائدات، ويقومون بتمويل المشاريع المحفوفة بالمخاطر بشكل مفرط في محاولة يائسة لتحقيق عائدات تفي بتوقعات المستثمرين العالية. وكل هذا سيؤدي إلى حدوث انهيار، سوف تهبط أسعار الأسهم والعقارات لتعود إلى مستوياتها المستدامة، وسوف تفشل المشاريع المحفوفة بالمخاطر بشكل جماعي، ما يؤدي إلى حدوث حالة من الركود. بالطبع، لا يمكن استبعاد هذا السيناريو، في الأسواق المالية، لا شيء مستحيل تقريبا. لكنني متشكك. السبب الأوضح هو السجل التاريخي. اليابان لديها أسعار فائدة تساوي الصفر أو قريبة من الصفر منذ عقدين من الزمن وحتى الآن، ولم تكن هنالك أية دلالة على حدوث كوارث في أسواقها المالية. لم يكن أداء أسعار الأسهم والمساكن جيدًا هناك، هذا صحيح، لكن ليست هناك علامات تُذكر على السعي الحثيث للوصول إلى العائدات، ولا تزال عملية الدخول في المخاطر منخفضة، ولم يكن هنالك أية فقاعات كبيرة. بعبارة أخرى، حالة اليابان تجعل من الواضح أن أسعار الفائدة المنخفضة لا تؤدي دائما إلى حدوث حالة من عدم الاستقرار المالي. ما هو الشيء الذي يسمح للأسعار بأن تصل أو تقترب من مستوى الصفر إلى أجل غير مسمى دون التسبب بأن يقوم المستثمرون بأعمال سيئة بالمال الرخيص؟ هذا يعتمد على السبب الذي يجعل أسعار الفائدة منخفضة في المقام الأول. إذا كان المال رخيصًا لأن البنوك المركزية تقوم باستخدام قوتها وسلطتها للحفاظ على الأسعار أقل مما يمكن للسوق أن تتحمله بمفردها، فإنه من المنطقي أن المستثمرين سيأخذون المال الرخيص ويستثمرونه في مشاريع أكثر خطورة مما يمكن أن يفعلوا في الأحوال العادية. لكن إذا كانت الأسعار منخفضة بسبب القوى الطبيعية في الاقتصاد، والبنوك المركزية ليست لها في الواقع أي علاقة بذلك، حينها لن يكون من المنطقي أن يتخذ رجال الأعمال المزيد من المخاطر. أسعار الفائدة هي عبارة عن سعر - ثمن المال المستقبلي، بدلالة بما يعنيه المال اليوم. على المدى القصير، تستطيع البنوك المركزية دفع تلك الأسعار من خلال شراء وبيع السندات. إذا قامت بتشويه الأسعار، يمكننا توقع ظهور تلك التشوهات في أماكن أخرى على شكل ارتفاع في التضخم أو فقاعات مالية. لكن السعر يمكن أن يتأثر أيضا بعدد من العوامل طويلة الأجل. على سبيل المثال، إذا أصبح الناس أو الشركات أكثر صبرا، بتقييمهم للمستقبل من خلال مقارنته أكثر مع الماضي، ينبغي علينا توقع حدوث تراجع في أسعار الفائدة، حيث إن الناس لن يكونوا بحاجة إلى حوافز كثيرة من أجل توفير المال. ربما يكون العامل المحدِّد طويل الأجل الأهم لأسعار الفائدة هو فقط وتيرة النمو الاقتصادي. لاحظ أن مدفوعات الفائدة هي مطالبة بالناتج الاقتصادي المستقبلي. إذا توسع ذلك الناتج بسرعة، سيغلب على الأسعار أن ترتفع. لكن هنالك عددا من القوى التي تدفع النمو للانخفاض في عالمنا الحديث. انخفاض النمو يعني انخفاض أسعار الفائدة، حتى من دون أي تدخل من البنوك المركزية. إحدى القوى التي تعيق الاقتصاد هي تباطؤ نمو الإنتاجية. مستويات التعليم آخذة في الازدياد بمعدلات بطيئة أكثر بكثير مما كانت عليه، ويقول بعض خبراء الاقتصاد إن التكنولوجيا آخذة في التحسن بمعدل أبطأ بشكل دائم. وثمة عامل آخر ألا وهو الجنس - حيث إن النساء في البلدان المتقدمة دخلن في الغالب ميدان القوة العاملة حتى الآن، لذلك فإن الطفرة قد انتهت. لكن القوة الأقوى والأشد تأثيرا هي ربما التقدم في السن فقط، حيث إن سكان البلدان المتقدمة أصبحوا أكبر سنا، مع وصول معدلات الخصوبة لمستوى أقل من استبدال السكان، ومعظمها يواصل القيام بذلك. قدم فريق من خبراء الاقتصاد في الاحتياطي الفيدرالي ورقة بحثية جديدة ومثيرة للاهتمام حول هذا الموضوع. فهم يستخدمون نموذجا اقتصاديا بسيطا إلى حد ما، جنبا إلى جنب مع توقعات ديموغرافية، للتنبؤ بكيف تغير النمو وأسعار الفائدة في الاقتصاد الأمريكي على مدى العقود القليلة المقبلة. وتشير نتائجهم إلى أن العوامل الديموغرافية (التركيبة السكانية) - أي تقاعد جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية وتراجع معدلات المواليد - هي عامل سلبي قوي لكلا الجانبين. النموذج الذي يستخدمه المؤلفون هو نموذج بسيط، ويشمل الكثير من الافتراضات. لكن التوقعات الديموغرافية دقيقة جدا. لاحظ أن المؤلفين وجدوا أن إجمالي نمو عوامل الإنتاج لا يحدث الكثير من الفرق - حتى لو لم يكن التقدم التكنولوجي آخذا في التباطؤ، فإن الجوانب الديموغرافية هي العامل الأهم بكثير. وجميع توقعاتهم تبين أن أسعار الفائدة أقل من 0.5 بالمائة. وتلك مجرد توقعات، بالطبع - حيث إن جميع أنواع الأشياء يمكن أن تتغير، بما في ذلك نمو الإنتاجية بشكل أسرع، أو التغيير في مقدار المال الذي يرغب الناس في توفيره. لكن الرسالة الواضحة هي أن الأسعار ربما ستبقى في مكانها الحالي التي وصلت إليه الآن. لذلك، فإن هذا يعني أن المخاوف من حدوث فقاعات وعدم استقرار مالي ومجازفة مفرطة هي أمور يحتمل أنها مبالغ فيها. اقتصادات العالم ترغب في حدوث انخفاض في أسعار الفائدة كل على حدة. والاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى لا تقوم بإحداث الكثير من التشويه. ربما أن أسعار الفائدة لا تشكّل تهديدًا ماليًّا يلوح في الأفق، وأنها جاءت لتبقى.