أكد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، أنه في ظل التحديات والأزمات المعاصرة، التي تُعِيق مسيرة الأمة الفكرية والحضارية، أهمية بيان المنهج الذي كان عليه سلفنا الصالح أهل السنة والجماعة -رضي الله عنهم أجمعين- فهم خير الناس، على مَرِّ العصورِ واختلاف الأجناس. وقال الشيخ السديس في خطبة الجمعة التي ألقاها أاليوم بالمسجد الحرام: إن العقيدة الإسلامية الصافية جامعاً للعِقْدِ المتناثر، ومؤلِّفاً للشتات المتناكر، وأنه لا إشكال في تحديد المصطلح لأهل السنَّةِ والجماعة، فهو يسع أهل الإسلام والملة أتباع الكتاب والسنة، في منهج يتسامى عن الطائفية والمذهبية، والعصبية والحزبية، وإن من القصور وضعف المعرفة قصر هذا المنهج الوضَّاء على مذهب معين، أو علمٍ مُبَيَّن، أو مكانٍ أو زمانٍ محدَّدَين، فهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية. وتطرق إمام وخطيب المسجد الحرام إلى شعيرة لُزُوم الجماعة، وما تقتضيه مِن السَّمع والطاعة لمنهج أهل السنة والجماعة وهي شعيرة من أخص خصائصهم، فالسلف رضي الله عنهم ومن سار على دربهم وهُدَاهم بعيدون كل البعد عن مسالك الفُرْقة والخلافات، والتقسيمات والتصنيفات التي تمزِّق الجمع النظيم، وتبدِّد الشمل الكريم. وأردف قائلا: وإن من أعظم معالم المنهج السلفي التوسط والاعتدال في الأقوال والأعمال، ومَحْضُ الوسطية التزام هدي خير البرية ظاهرا وباطنا، واتباع هدي الخلفاء الراشدين المهديين وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والبُعد عن البِدَع والمحدثات، مؤكدا أن التمسك بمنهج السلف الصالح لا ينافي الأخذ بالتجديد في وسائل وآليات العصر. وأوضح أن مما يثير الأسى أن نرى أقوامًا من أبناء المِلَّةِ قد فَرَّطُوا فيما كان عليه منهج السلف فقذفوا بأنفسهم في مَرَاجِلِ الفِتَنِ العمياء، وزَجُّوا ببعض أبناء الأُمَّة إلى بُؤَرِ الفتن والصِّراع تحت راياتٍ عَمِيَّة، ودَعَوَاتٍ جاهلية، في بُعْدٍ عن الاعتدال والوسطية، وتشويهٍ لشعيرة الجهاد في سبيل الله وضوابطه الشرعية، بل وأغروهم ببعض الأعمال الإرهابية، من تدميرٍ للممتلكات، وتفجيرٍ للمساجد والجامعات والمستشفيات مخالفين منهج السلف. وأضاف الشيخ السديس: وآخرون ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنْعَا، يُلَوِّحُونَ بأجوف الوعيد، ويَتَرَدّونَ في مهاوي العصبية والتهديد، وتوظيف المآسي والأزمات لتوجهات سياسية وانتماءات فكرية، أو رفع الشعارات والمزايدات والتجريح والاتهامات. وأبان الشيخ السديس أن من المعالم العظمى، والقيم المثلى لأهل السنة والجماعة، ربط العقيدة بالأخلاق والقيم، وتعظيمهم لأمر الدماء والبعد عن مسالك العنف والتكفير والخروج على الأئمة وحمل السلاح على الأمة، أو نقض البيعة الشرعية اللازمة في العسر واليسر، والمنشط والمكره عقيدةً وعبادةً وقربة، لأجل مصالح دنيوية أو توجهات فكرية. وأكد الدكتور السديس، أن من فضل الله على بلادنا أن جعلها قلب أهل السنة والجماعة، ومحط أنظار العالم الإسلامي، والثقل العالمي بعامّة، عقيدة سلفية، ودعوة إصلاحية تجديدية، ومنهجًا وسطيًّا معتدلاً، تَرَسَّمَت هَدْي سيد الأنبياء، والصحابة الفضلاء، وأئمة الهدى الأتقياء الأوفياء، في العمل بالكتاب والسنة ومجانبة البدع والخرافات، فكانت أنموذجا واقعيا لتجدد المنهج السلفي السُّنِّي السَّنِيّ وصلاحيته لكل زمان ومكان، ولهذا كانت محل استهداف أعدائها، الذين تعجُّ بهم بعض وسائل الإعلام الجديد ومواقع التواصل، وما فيها من الأكاذيب والشائعات ضد هذه البلاد وعقيدتها وقيادتها وعلمائها، في إرهابٍ فكريٍّ إلكترونيٍّ خطير، مما لا يَزِيدها إلا تماسكًا وتلاحمًا والولاء لها، ولاءً لأهل السنة والجماعة عامة، واستهدافها في أمنها ووحدتها استهدافٌ لأهل السنة والجماعة قاطبة ودعا إلى نبذ العصبية والحزبية.