دوما ما نقرأ ونقول إن (الجواب باين من عنوانه) وكثير منا يرددها مقتنعا ومتشبعا بما تحتويه تلك العبارة أو لنقل هذا المثل. من خلال ذلك نجد أننا دوما ما نقرأ الآخر من خلال عناوينهم الشكلية أو عبر ظواهرهم، وأشكالهم، وملامحهم. نعم المظهر وكل ما يصدر منا تجاه أشخاص لم نجالسهم لا يتعدى كونه تعليقا بسيطا لا يجب أن يعول عليه، وما يؤذي أكثر هو أن يمر بك شخص مرورا عابرا ويكون فكرة شخصية سلبية عنك (كأن تمر ولا تلقي التحية عليه مثلا) ويبدأ بتعزيز صورة سلبية عنك بأنك متعجرف، أو (شايف حاله).. والمشكلة قد يصدقه الجميع. وهنا نحن بحاجة إلى جهد كبير حتى نغير هذه الصورة التي رسمت عنا في أذهان الآخرين.. وهذا ما يطلق عليه التعزيز السلبي.. كذلك كثيرا ما نحكم على كثير من الأمور في أولها بلا انتباه حقيقي للحال، ولا للظروف، ولا الملابسات.. فالشجرة المثمرة قد نحكم عليها في موسم الحصاد بأنها جميلة ولافتة ولكن في موسم الخريف لن تكون إلا شجرة مهملة، ومكروهة، وغير لافتة. حين نقرأ عنوان كتاب لا يمكن بأي حال أن نستخلص حقيقته وفائدته ولن نستطيع بتاتا أن نقيمه تقييما يليق بمحتواه، لأن العنوان لا يعني إلا عنوانا مجردا ولا يعني الحقيقة الكاملة.. حيث إن العناوين لا تجعلنا ندرك كنه الأشياء والأشخاص وبالعكس تجعل منا جهلاء وفقراء في الفهم وبخلاء في التفسير والتحليل. من أصعب الأمور هو أننا لا نمنح أنفسنا صبرا جميلا في رؤية الآخر جيدا، ولا نعطي ذواتنا وقتا لقراءة ما خلف العناوين جيدا لكي نصل إلى حكمنا الأخير.. مشكلتنا أن لدينا قدرة في قراءة العناوين والملامح الخارجية بشكل نمطي وسريع ثم إصدار قرار مفاجئ وعاجل.. وهناك للأسف من يصدر قرارا حتى بدون قراءة العناوين جيدا.. بعضنا يهضم أو يتعسر هضمه لشخص ما ويقول داخل نفسه (هذا ما هضمته أو غير مهضوم) دون تبصر وتحقق وصبر لمعرفة ومعاشرة هذا أو ذاك على محك ومواقف حقيقية تمثله.. وهناك من يتنبأ بنهاية أمر ما وروح التشاؤم تملأ عينه حتى قبل البداية فيضع العثرات تحت قدميه. إن كل جواب لا بد من قراءته عنوانا ومضمونا وفي معظم الأحوال والأمور يكون تقديرا خاطئا.. لا بد حقيقة أن تكون لدينا عادة الصمت، سمة التريث لكي نقرأ العناوين والوجوه وما خلفها.. نسمع الحديث، ونعاشر، ونتأكد، ونتيقن، ونلازم.. فلنحاول أن نبتعد عن تقييم مواقفنا أو إصدار قرارنا، أو إبداء آرائنا تجاه الشخوص، والأشكال، والأمور لنبُقي الأحكام لاحقا.. لنشعل جانبنا المضيء دوما بروح التفاؤل، وحسن الظن، وسعة الأفق، ورحابة الصدر، فالانطباعات الأولى لا تدوم لتتكشف حقيقة وجوهر الشخص، ونختبر معدنه لنطلق عليه أحكاما ولندرك أن المظهر الخارجي يخدع وغالبا ما لا يفصح عن سمات ونوايا الشخص أو يكشف عن ماهية الأشياء.. إن الحاجة لقراءة الجواب أو الانتباه للأمور أو الأشخاص لا بد أن يراعيه الكل المسئول والمدير والموظف والعامل والطالب والشخص العادي، فحين يضع المسئول ويصنف الموظفون حسب قراءة عناوين وجوههم وتكوين انطباعات أولية سوف يفشل في عملية التقييم الحقيقي، وسينتهي به إلى الظلم وحين يتجاهل الموظف قراءة المعاملة تفصيلا ويلتقط عنوانها سوف يخفق في التعامل معها.. هكذا تحدث الفجوات في تقرير المصير واتخاذ الصحيح من القرارات بسبب عشوائية القراءة، والتسرع في الانطباع. يبقى القول: نعلم أننا إذا ما حكمنا على الأمور أو الناس من النظرة الأولى (سلبا أو إيجابا لا فرق) أننا سندفع ثمنها مستقبلا، ونتحمل مسئولية هذا الحكم.. وسنحتاج وقتا طويلا لتصحيح الخطأ إن حصل أو تثبيت الايجابيات إن حدثت.. فلا ترددوا فحقيقة الجواب أنه يقرأ من عنوانه ومضمونه ثم نحكم بعدها.