ناقشت «اليوم» في سلسلة حلقات وعبر ملفها الشهري العديد من المواضيع الاقتصادية والأمنية وكذلك الأمور التي تهم كافة شرائح المجتمع وطبقاته المختلفة، ومن خلال ملفها الحالي ال17 فتحت موضوع «الزواجات.. والتكاليف الخفية»، الذي يهدف إلى توعية الجمهور حول آثار العادات والتقاليد في رفع تكاليف الزواج، وإلقاء الضوء على الأعباء التي يتحملها أطراف الزواج بما في ذلك البذخ المالي وتناول الملف، قيمة المهر، والعادات وأثرها على رفع أعباء المهر، ومصادر المهور ومنها القروض، كذلك المساعدات الأسرية «العانيات» التي تعتبر دينا مؤجلا، وتكاليف الزواج ومظاهر البذخ فيه، بما في ذلك مكان الاحتفال (القاعة أو الصالة أو المخيم)، وتجهيز مكان الاحتفالات للرجال والنساء، و«الطعام، والضيافة، وفرق الطرب، وتوثيق الاحتفال». أيضاً تم التطرق إلى فائض الطعام ما بعد حفل الزواج، وتكاليف الفندق للسكن ليلة واليوم التالي للزواج، وتجهيزات الزواج «السكن والأثاث»، وسيارة العريس، وهدايا الاستقبال، ومراكز التجميل، وأماكن الاحتفال، وحفلات الخطوبة والملكة وتكاليفها، وشهر العسل، وحفلات المواليد، ولم يغفل عن حفلات الطلاق، فهناك قصص واحصاءات وتكاليف احتفالات الطلاق. جهات عدة منها الجامعات، وأكاديميات متخصصة، ومختصون، أكاديميون، اقتصاديون، وجمعيات متخصصة، إلى وزارات ومنشآت خدمية مختلفة، شاركت في ملف القضية، وتطرقنا إلى المشكلة والأضرار في عمليات البذخ بمصاريف الزواجات، كذلك العادات والتقاليد في رفع تكاليف الزواج، ومحاولة التميز والتفرد بإيجاد أفكار وطرق جديدة تزيد الأعباء. ومن الأمور التي عرج إليها الملف الشهري، الخسائر الاقتصادية جراء ذلك، بما في ذلك رأي الدين والشرع في البذخ والإسراف، وأهمية الزواجات الجماعية ودورها في تقليل التكلفة على الفرد الواحد، إضافة إلى برامج التوعية قبل وبعد الزواج للزوجين، وعملنا على الحلول المقترحة لخفض الإنفاق على مناسبات الزواج. وفي أولى حلقات الملف، تطرقنا إلى قيمة المهر والعادات والتقاليد المناطقية وأثرها على رفع أعباء المهور، حيث تنوعت قيمة المهور في كل منطقة من مناطق المملكة المختلفة، وذلك بحسب العادات والتقاليد لكل بيئة، فكانت جازان هي المنطقة الأقل من ناحية المهور، والأحساء وبعض المناطق الجنوبية فمازالت المهور هناك تتجاوز ال100 ألف ريال. لذا قال الدكتور الشيخ خالد الحليبي المستشار في مركز التنمية الأسرية بالأحساء: «نحن الذين نصنع العادات والتقاليد في المجتمع بدون شك، ونحن الذين نستطيع أن نميتها إذا كانت مسيئة لنا ولجيلنا، ولن يتغير أي أمر ما لم نبادر، ونقبل من الخاطب الأقل دون إخلال بحق العروس، ولا نرغمه على ما لا حاجة له ولا ضرورة». وأشار الدكتور الحليبي، إلى أن التفاخر في زمن الترشيد ليس من العقل، وإذا كنا نريد أن نكرم العروسين فلنقدم لهما ما أعددناه للإسراف في تلك الليلة في شكل هدية، مبلغ من المال يشقان به طريقهما للحياة الآمنة المستقرة، ودعا إلى الزواج العائلي، وعدم التوسع في الزيجات، مبيناً أن بيوت بعضنا كافية لإقامة حفل جميل للأهل والخاصة من الأصدقاء. وعلق الدكتور الحليبي، على قيمة المهر وأثر العادات والتقاليد بالمجتمع السعودي في رفع أعباء المهر على الشاب الذي يريد التحصن فقال: «الأحساء فيها أنماط من المجتمع تختلف في تقدير المهر باختلاف أعراف كل نمط اجتماعي، فالبادية غير الحاضرة، وأطراف الأحساء غير وسطها، ومتوسط المهر لدينا من 40 ألفا إلى 100 ألف بحسب ما يتبعه من ذهب وشبكة وهدايا متعلقة به، أو تنفصل عنه». وأضاف: «من الطبيعي جدا أن المهر يتأثر بالعادات والتقاليد، وما يمكن أن يضاف عليه، أو يتفق على النقص منه، ولا أجد أن المهر نفسه كثير على (متوسطي الحال) إزاء النفقات التي تحتاجها العروس للتجهيز وما تحتفظ به منه بعد ذلك إذا كان في حدود 40-50 ألف ريال، فقد كان هذا منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولكن ما استجد من تكاليف لم يكن مجتمعنا يعرفها من قبل». منوهاً بأن تلك التكاليف زادت من الأعباء المالية على ظهر الخاطب، مثل الشبكة، وحفلات الخطوبة والاستقبال والزواج التي أصبحت تقام في فنادق باهظة الأثمان، والتأثيث الفاخر على يد شاب للتو يبني الطوب الأول من حياته، ثم إرغامه على السفر خارج البلاد بما يكلف نحو 20 ألف ريال على أقل تقدير، وإلى آخر هذه السلسلة التي يجب أن تتوقف حتى لا يزداد طابور الانتظار من الجنسين، وتزداد آثار تأخر الزواج الخطيرة في المجتمع. من جهتها، قالت الباحثة الاجتماعية فاطمة آل بريك: «خلال السنتين السابقتين وفي ظل طغيان وسائل التواصل الاجتماعي الذي أصبح متاحا للجنسين من الرجال والنساء أصبح الهدف من الزواج أسمى ولم يعد التغالي بالمهور كما كان، فأصبح هناك اتفاق بين الزوجين أحيانا بالتنازل عن إقامة حفل فخم برحلة يقضون فيها شهر العسل، ويستفيدون من التكاليف الباهظة التي ترهق كاهل الشباب». وأضافت آل بريك: «يبقى العبء الأكبر على الشاب حينما يطلب منه مهر وقدره، أيضاً يطلب منه إعداد بيت الزوجية وتجهيزه، ويطلب منه حفل، ولا يخفى عليكم متطلبات الحفلات والهدايا، وبعد انتهاء هذا كله تنتظره الحياة الزوجية ومتطلبات المعيشة والاندماج بها، ولا تفكر الزوجة أو أهلها أن ارتفاع المهر يرفع من قدرها أحيانا كثيرة يكون له أثر سلبي على الحياة الزوجية لأن الزوج يتحملها ويسددها سنوات طويلة». وبينت في حديثها: أن المجتمع السعودي متشعب ومتعدد حسب اختلاف المناطق، ففي المناطق ذات الطابع القبلي ترتفع المهور لدرجة ممكن أن يصل إلى 150 ألفا، إضافة إلى ما يقدمه من هدايا ومجوهرات وهدايا لأم العروس وأب العروس، وقد تشمل العمات والخالات والجدات، ومناطق أخرى قبلية تتراوح ما بين 20 ألفا إلى 25 ألفا في بعض المناطق جنوب المملكة. أما المنطقة الشرقية، فيتراوح المتوسط بالمهور من 35 ألفا إلى 50 ألفا بالمجتمعات المتحضرة، والمهور في الشرقية بالمجتمع القبلي في الوقت الراهن تتراوح من 50 ألفا إلى 100 ألف، لذلك يجب أن يكون هناك وعي وفهم وإدراك للمهر المقدم للفتاة، فكلما كانت الأمور ميسرة ولم يكن هناك تكاليف باهظة ترهق الشاب المقدم على الزواج لسنوات طويلة كان ذلك في صالح الطرفين الفتاة والشاب. وأشارت آل بريك في حديثها، إلى قصة طريفة مرت بها إحدى السيدات فيما يخص الغلاء بالمهور والمفاخرة فقالت: زرت إحدى قريباتي تسكن في بيت مستأجر ولديها ثلاثة أولاد أكبرهم طفلة التحقت العام الجاري بالمدرسة في المرحلة الابتدائية، وتشتكي لي من غلاء المعيشة، وأن الراتب أصبح لا يفي بمتطلبات الحياة. واستطردت: سألتها أليس زوجك له خدمة طويلة بالتعليم؟ وفي اعتقادي الراتب جيد؟ قالت: نعم، لكن لدينا تسديد تكاليف زواجنا، حيث اقترض زوجي مبلغا وقدره من أحد معارض السيارات وقتها بفوائد حتى يغطي تكاليف زواجي الذي انبهرت به قريباتي وصديقاتي، فقلت لها: أبهرتِ من حولكِ ليلة واحدة، وتدفعين أنتِ وزوجك ثمنها ليالي طويلة!. من جهته، قال المهندس عبدالله علي العساف، مدير أعمال الشركة الوطنية للمياه بجدة سابقا، إن قيمة المهور في المنطقة الغربية وخاصة جدة أو باقي المناطق ليس لها سقف محدد وإنما تعود إلى ثقافة أهل البنت وأهل الشاب، فقد تجد مهورا في حدود ال30 ألف ريال، ومهورا في حدود نصف مليون ريال. وأضاف: «لكن حاليا وحسب معرفتي ان المهور تتراوح من 30 إلى 50 في جدة، وما نسمع عنه ونشاهده أن مشكلة تكاليف الزواج عادة تحدث في الحفل أو في تأثيث المنزل، فيما هناك الكثير من العوائل حاليا أصبح لديها ثقافة وهي أن الحفل يكون مختصرا توفيرا على أسرة المتزوج، فيما زال الكثير من العوائل ملتزمة بالعادات السابقة من وجود قاعات أفراح في الفنادق أو في قصور الأفراح». وأشار العساف، إلى وجود توجه ثقافي لدى الأسر في تخفيض المهور، وتجنب التكاليف الكبيرة وهذا شيء جيد، وفيما يتعلق بالمنطقة الجنوبية وخاصة منطقة جيزان، فالوضع هناك فيما يخص المهور التي تعتبر مخفضة، وهناك مهور كبيرة ولكن غالبا المهور في جيزان تتراوح من 25 ألفا إلى 40 ألف ريال. والأمر الجيد هو اختفاء تسجيل الصداق المؤخر الذي انتشر في الفترة السابقة، ولكن مع كثرة حالات العنوسة وجد ان هذا الشرط نادر تسمعه، ولكن يطلب عندما يتقدم لخطبة البنت شخص غير معروف لدى أسرة البنت، فالمهور أعتقد أنها مناسبة، وهناك أسر من أهل البنات تساهم في المهر، إلا أن المشكلة تكمن في ظاهرة الاحتفالات والبذخ. أما الدكتور غسان عوض الله، من وزارة الإعلام بمنطقة مكةالمكرمة، فيقول: «لا يوجد سقف معين للمهور، فهناك مهور كبيرة تطلبها عوائل معينة، وهناك مهور عادية وهي التي تعتبر شبه متقاربة لدى أغلب العوائل، فالمهور دائما لدى أغلب العوائل لا تتجاوز ال30 ألف ريال، ولكن هناك ما يطلق عليه الشبكة، وعادة تتراوح من 20 إلى 25 ألف ريال. وبين الدكتور غسان، أن الشبكة هي عبارة عن هدايا تقدم للبنت، أما الحفل فيرجع إلى الاتفاق بين أهل الزوج والزوجة، فهناك من يطلب حفلا كبيرا وهناك من يطلب حفلا مختصرا، وهناك من يطلب بطاقات دعوة معينة ربما تكون مكلفة ماديا، ولكن السائد حاليا هو أن المهور في حدود 50 ألف ريال، ومع الحفل يمكن أن تتراوح من 80 إلى 100 ألف ريال. وأشار إلى أن هناك من يطالب بألا تتجاوز تكاليف المهر والزواج أكثر من 30 ألف ريال نظرا لأن كثرة التكاليف لها علاقة بمستقبل الزوج والزوجة، وهناك الكثير من حالات الطلاق ناتجة عن سبب الظروف المادية التي تمر بالزوج بعد الزواج خاصة إذا كان لا يملك سكنا، فالمهور تعتبر من المشاكل الاجتماعية التي تسببت في ظاهرة العنوسة أو في ظاهرة الطلاق، ولابد من وجود آلية لتوعية العوائل بخطورة غلاء المهور وتأثيرها على مستقبل الزوجين. وأضاف الدكتور غسان: حسب علمي ان بعض المناطق حُدد فيها المهر للبنت وللثيب، ولكن يتم تسجيل ما هو محدد في عقد النكاح، ويدفع الزوج مبالغ كبيرة خارج ما هو محدد من مهور، وفيما يتعلق بالمهور في المنطقة الجنوبية وخاصة في منطقة جيزان وبحسب ما أسمع أن المهور أقل وكذلك التكاليف، وهذا ربما يدل على أن هناك وعيا اجتماعيا، بعكس بعض المناطق الأخرى». من جانبه قال الدكتور علي الحناكي، مدير المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية بوزارة الشؤون الاجتماعية سابقا، والمعني بالقضايا الاجتماعية من الزواج والطلاق والعنوسة وبعض القضايا الاجتماعية الأخرى، ان وضع المهور تراجع على مستوى مناطق المملكة، وأصبح في غالبية المناطق في حدود 40 ألف ريال. وأشار إلى أن ظاهرة المفاخرات في الزواج اندثرت بسبب مقاطعتها ومعارضتها من عقلاء المجتمع، مبيناً أن تراجع المهور ناتج عن كثرة العوانس، وعن كثرة المطلقات، والتي كان من أسبابها غلاء المهور، حيث كان لدى غالبية المجتمع اعتقاد أن قيمة البنت واحترامها في قيمة مهرها، ولكن أمام هذه الظاهرة تخلى عنها الكثير من المجتمع وأصبح الكثير يبحث عن الستر والبحث عن الزوج المناسب. فالمنطقة الغربية والرياض والشرقية والقصيم تقريبا المهور متقاربة فيها، ولكن في بعض المناطق الجنوبية مازالت المهور تتجاوز ال100 ألف ريال، عدا منطقة جازان التي تعتبر أقل مهرا، وهذا يدل على الوعي والرأي السديد لدى أهل جازان، مشيراً إلى أن الكثير من القضايا التي كان يدرسها المركز تتمحور في كون بعض المهور خاصة عند العوائل القبلية تدفع بالزوج إلى أن يقضي بقية حياته في تسديد تكاليف الزواج، ولكن الأمور حاليا في تراجع والوعي لدى المجتمع أصبح أكبر. أطعمة متنوعة على طاولة المناسبات والزواجات المبالغة غير المحمودة في الضيافة والذبائح