يرسم محمد المهدي كالأطفال الذين يخربشون رسومهم الأولية على الجدران. كالطفل يرسم الأشياء محط اهتمامه: السيارات وكلبه والمرأة التي يحبها والمسجد والبيوت والقطط والطيور والطعام الذي يحبه والسمك والجريش.. الخ. كل ذلك يستعيده من ذكرياته التي خزنها في الطفولة أو حتى في مرحلة النضج والتي تركت أثرأ عميقا بالغا في نفسه.. وكان الفنان قد سجل الكثير منها وهو طفل على أبواب خزانة ملابسه من الداخل عندما منعه والده من الرسم والكتابة على الجدران، تلك الخزانة التي كانت مخزن أسراره والتي كان أكثرها تأثيرا حادث السيارة المروع الذي تعرض له وهو طفل صغير حين صدمته سيارة ورفعته الصدمة في الهواء فرأى المشهد من الأعلى، مما أثر على طريقته في رؤية المشهد الذي يصوره على الأغلب من فوق. والفنان المهدي كالطفل الذي يبدأ الرسم من العنصر الأكثر أهمية بالنسبة إليه ثم ينتقل إلى الأقل أهمية فالأقل.. وقد يلجأ كالأطفال أحيانا إلى الكتابة على الجدار الذي استبدله بسطح اللوحة.. يستخدم الفنان البقعة اللونية ليعبر عن التضاد والانسجام اللوني بقع بالأحمر والأخضر المتوهج بالتجاور مع الأسود أحيانا أو الأزرق والأحمر..إلخ.. إن هذا التضاد اللوني (كونتراست) يصعد الأحداث الدرامية في ذاكرة الفنان. والسؤال الآن: هل حافظ محمد المهدي على براءة الطفولة ورهافتها في لوحاته بعد أن نضج وتجاوز الثلاثين من العمر؟! ازعم انه استطاع ذلك وربما يكون هذا هو السر في السحر الذي تتركه لوحات المهدي على المشاهد.. شدة خصوصية الوحدات والعناصر التشكيلية الحقيقية التي انطبعت في ذاكرته.. وبراءة التناول ورمزية العناصر التي يتناولها في رسوماته... لكن كل ذلك لا يكفي ليقدم لنا مسطحا تصويريا مدهشا لما يقدم لنا الفنان المهدي.. انه يقدم كل ذلك بنضج لوني مميز يحسب حسابا لكل زاوية أو مساحة أو خط يضعه في لوحته.. فأسلوب الرسم الذي يبدو عفويا بل ويقنع من يراه بعفويته.. مدروس دراسة إبداعية عميقة من الناحية الجمالية والتشكيلية فهو يحسب ويقدم مركز الإضاءة الذي هو عادة في وسط اللوحة ومركز التقييم ويقدم أيضا ألوانا طازجة قوية تدل على ملون جريء يجاور الألوان المتضادة (الحارة والباردة) ليخلق كونتراستا مدهشا يصعد الحس الدرامي في عمله. كما يستخدم الخط العفوي والرسم الطفولي ليقدم موتيفاته. وينم توزيع الألوان عن بساطة وجمالية مدهشة ونضج واضح بالقيم التشكيلية البصرية الجمالية. ليصعد الفنان دراما ومأسوية أحداث طفولته نراه يستخدم الخط المرهف الرقيق بالأسود.. ويبدو لي أن الفنان، في بعض أعماله، قد استخدم تقنية حك اللون فوق الأسود بخطوط مرهفة ليعبر بأنه كأنما يستخدم أظافره ليترك أثرا على سطح اللوحة مثل الآثار التي تركتها في نفسه حوادث طفولته!! وايضا في بعض أعماله يجعل اللوحة جدارا رماديا يخربش عليه طفولته.. قططا وسيارات وأطفالا وخطوطا.. خربشة تدل على مقدرته على ربط التكوين وعناصره المختلفة والتي تبدو مشتتة عن طريق استخدام اللون السائد في الخلفية والتي تأتي الألوان الأخرى كنغم بصري شجي ينوع إيقاعاته على اللحن الرئيسي. ويبدع الفنان المهدي خصوصا في فن اللمسة التي يجيدها ويجيد اختيار اللون المناسب القادر على ربط المساحة اللونية إلى مساحة مختلفة عنها بمجرد ضربات ريشة مرهفة يقوم بتوزيع لون فتشد مساحات اللوحة اللونية المختلفة بعضها بعضا. ولا يهتم المهدي بإبراز العمق أو ما يسمى بالبعد الثالث ويرسم على طريقة الفنان المسلم الذي رسم زخرفاته ببعدين (الطول والعرض) دون الإيهام بالبعد الثالث العمق أو الارتفاع... صحيح أن كثيرا من الفنانين العالميين أو المحليين قد رسموا بطريقة الطفل كبول كلي وخوان ميرو ورنا حجازي.. وغيرهم، لكن محمد المهدي يقوم بتأصيل أسلوبه الخاص المنبثق من تجربة شخصية مريرة عانى منها الفنان حقا لذلك نلمس الصدق في الإحساس والأصالة في التعبير واستخدام المخزون في ذاكرته كمرتكزات لرؤيته التشكيلية!! وهو يعبر بتلك البساطة المدهشة التي تساعده على التعبير العميق عن إحساسه ومشاعره وآلامه. .. وعمل آخر محمد المهدي