يطل هذا المقال على القراء الكرام، بطعم (الكركديه) الشراب السوداني المحلي المنعش بأنواعه المتعددة، الذي يمثل الضيافة المباشرة والسريعة، ويُقدمُ لك باردا أو ساخنا حسب رغبتك (وإن كان البارد أكثر انتعاشا وطعما وشعبية). وأحبتنا السودانيون شديدو الاهتمام بالضيافة بطريقتهم الخاصة التي منها التأكيد على الضيف أن يتذوق ما يُقدمُ له مباشرة وأمام أعينهم ليرتاحوا. قضينا أياما تاريخية بحق في هذا البلد العربي الشقيق بدعوة كريمة من (مجلس الشباب العربي الأفريقي) للمشاركة في تظاهرته الكبيرة (ملتقى الخرطوم للشعر العربي) الذي رعاه رئيس الجمهورية، وحضر ممثلا عنه مساعد رئيس الجمهورية اللواء عبدالرحمن الصادق المهدي، ومعالي وزير الثقافة السوداني الطيب بدوي، وشارك في هذه التظاهرة شعراء شباب من السودان وتونس والمملكة والعراق والبحرين وسوريا والسنغال وتشاد. وهذا المجلس هو إحدى المؤسسات السودانية والعربية الثقافية الاجتماعية التي يطل بها السودان على العرب والأفارقة والعالم لتأصير الروابط التاريخية والثقافية من خلال الشباب وأنشطتهم، وتديره نخبة من شباب السودان منهم د.عوض ابراهيم أمين عام المجلس، ود. محمد شريف الإعلامي والمنسق العام و(دينامو) التظاهرة، وأ. لطفي منصور مساعد الأمين العام، وغيرهم، ويتطلع إلى المزيد من التفاعل والمشاركة العربية مثلما يأمل من الدول والمؤسسات والأفراد الوقوف إلى جانبه وعونه معنويا وماديا وإعلاميا. وقد تداول الشعراء المشاركون الحديث بينهم أنهم لأول مرة يشعرون بقيمة رفيعة لهم، حيث تم نقلهم في سيارات القصر الرئاسي، التي تحمل لوحات (رئاسة الجمهورية) ابتداء من وجود السيارة على أرض المطار بجانب الطائرة مباشرة عند وصولهم مرورا بالاستراحة في صالة التشريفات، وانتهاء بنقلهم إلى غرفهم الخاصة في الفندق الراقي، وكذلك تنقلاتهم في موكب رئاسي/ شعري مكون من 4 سيارات خاصة تتقدمها دراجة نارية ببوقها المعروف لفتح الطريق للموكب طيلة أيام الملتقى صباحا ومساء. وهذا يعكس حسبما تردد بينهم وعي القائمين على هذه التظاهرة العربية الافريقية، وتقديرهم للشعر والشعراء والضيوف ما جعلهم - أي الشعراء - يعربون عن عمق تقديرهم واعتزازهم وفرحهم، ويشعرون للمرة الأولى بقيمتهم المعنوية في هذا الإطار. أما ما يميز العاصمة السودانية (الخرطوم) فهو ذلك الانسجام بين أغلب سائقي السيارات، والإيثار فيما بينهم، ولاحظنا أن كثافة وزحمة السيارات ليست طاغية أو بارزة كشأن سائر المدن العربية وعواصمها. والأحبة في السودان ممن التقينا بهم مازالوا يُجِلون الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري رغم بعض مؤاخذاتهم عليه.. فتجدهم يذكرونه بالخير ويترحمون عليه، والشيء نفسه يقال عن المشير الشيخ عبدالرحمن سوار الذهب الذي يتمتع باحترام وتقدير كل المواطنين العرب، بل إن البعض من خارج السودان يطلق عليه (مانديلا العرب) في إشارة إلى محاولته بسط السلام في بلاده، وتنحيته طواعية عن منصب الرئاسة. أما المتاحف فهي سمة تمتاز بها السودان بتنوعها وعراقتها، فهناك المتحف القومي والمتحف العسكري، والرئاسي، والتاريخي، والوطني (المتخصص في التكوينات العرقية والإثنية)، والمتحف الزراعي وغير ذلك، وقد تستغرق جولتك في متحف واحد منها أكثر من يوم واحد. ووجدنا الشعر والشعراء في السودان بمختلف ألوانه: فصيحا، وعاميا، موزونا ومقفى، وتفعيلة، ونصوصا نثرية فنية (وهو ما يطلق عليه قصيدة النثر) من شباب وكهول وشيوخ يتبارون فيه باعتزازهم بوطنهم السودان وتنوعه وتاريخه. ومن الطريف أن الضيوف المشاركين كانوا يحاذرون ويتجنبون بكل ما يستطيعون الإشارة بأي شكل من الأشكال إلى (سواد أو سمرة) البشرة السودانية أو حتى التلميح بذلك، خوفا من غضبهم ومراعاة لمشاعرهم، لكننا وجدناهم يفخرون، ويتفاخرون بها، بل يتندرون، وأحيانا يلمزون ذوي البشرة البيضاء. ويبرز هذا في قصائدهم وأحاديثهم فيما بينهم.. والسوداني إذا أخذ به الانسجام والغرام والفن والإعجاب مأخذا فإنه يتحول إلى شحنة مشتعلة من التفاعل فيقف من مكانه رافعا يده السمراء ومادا ذراعه وقابضا كفه يلوح بها إعرابا عن إعجابه، وأحيانا يأتي إليك ويحضنك ويقدم لك (عصاة الأبنوس) الثمينة جدا التي يحملها ترجمة لإعجابه بك، وهذا ما حدث مع شاعرين في الأمسية الشعرية الافتتاحية، حيث أهدى فخامة مساعد رئيس الجمهورية - الذي حضر الافتتاح وبقي إلى آخر الحفل وكان آخر المتحدثين - عصاه للشاعر السنغالي الذي أعجب بقصيدته، وكذلك فعل معالي وزير الثقافة السوداني مع الشاعر السعودي. ونختم ببعض الكلمات الشعبية السودانية.. * جدا: بكل تأكيد. * زول: شخص. * براهُو: لوحدِهِ، وخاصة، بنفسه. * إقبيل: من قبل/ مبكرا. * ساكت: على طول.. مباشر. * حبابكم، حبابكم عشرة: مرحبا بكم. ف (حبابكم) لكل الأحبة.