باسم الحرية غزت أمريكا العالم ودمرت الدول وأبادت الشعوب، وكل عملية لها تغلفها بمقولات سياسة وأهداف لا تعد ولا تحصى. وليس في القاموس الأمريكي الكثير من الدلالات والمعاني غير النهب والفوضى والرعب. حدث ذلك في جملة ابادات في اليابان وفيتنام والعراق والصومال وغيرها من الدول وساحات الحرب. عاشت أمريكا على مقولة الإمبراطورية والديمقراطية والحقوق والعدالة. صدرتها للدول بأغلفة شتى، وبطرق مختلفة تبعاً لشكل العلاقة وطبيعة المصالح، لكن المصالح العليا الأمريكية ظلت في الصدارة، وهو ما سمح لها بتجارب عدة من التغيير ومنها تبديل الرؤساء أو التخلص من الخصوم، ومنها تعيين قادة على ولاء مطلق لها ممن يفتحون دولهم لتكون لعبة بيد تجارها، ومنها ضرب خصومها ببعض، ومنها اشاعة نوع من الطمأنينة وإعطاء الدعم ثم الانقلاب على الحليف. وليس في التاريخ الحديث ابشع من الأمثلة الأمريكية في الابادة وفي التخلي عن الوعود والكذب. ولا تنسى الولاياتالمتحدة أي إهانة ولو بعد قرن، وهي في إعلان قانون «جاستا» ترد على ما ترى أنه حدث وسبب لإهانة الكبرياء والخسائر التي تحققت لها، وهو حدث 11 سبتمبر، لكن السلوك الأمريكي ليس جديداً في الرد حتى ولو كانت المواجهة مع عصابة، وقد حدث لها إهانة بليغة في الحرب الطرابلسية (1801-1805) تلك الحرب أهانت أمريكا، ففي 31 أكتوبر 1803 تمكنت البحرية الليبية في مدينة طرابلس من أسر المدمرة الأمريكية «فيلادلفيا» وكان على متنها 308 بحارة استسلموا جميعاً وعلى رأسهم قائدهم الكابتن بينبريدج Bainbridge وعندما عجز الأمريكان عن استرداد هذه السفينة تسللوا إليها وقاموا بنسفها حتى لا تصبح غنيمة في أيدي الليبيين. وشكلّ حادث السفينة فيلادلفيا حافزاً قوياً للولايات المتحدة للاهتمام بتأسيس بحرية قوية اتخذت نشيداً لها يردده جنودها صباح كل يوم ويقول مطلعه: من قاعات مونتيزوما إلى شواطئ طرابلس نحن نحارب معارك بلادنا في الجو والأرض والبحر.. في ليبيا المحاصرة عدة ضربات أمريكية، وحصار طويل، لا يمكن فصله عن الذاكرة، ولا عن التاريخ، حيث لا يمكن للغرب أن ينسى مهما بادلناه من مشاعر ومواقف طيبة، وفي العراق قصة السفيرة غلاسبي التي ورطت صدام حسين بغزو الكويت وفتحت الباب للعودة الأمريكية للمنطقة واحتلال العراق وتدميره، هكذا تدير الولاياتالمتحدة علاقاتها مع خصومها ولا تفشل، ولا تحب الفشل، وإن اطلقت وعوداً بالتحرير والحقوق والعدالة واحترام السيادة للدول فإنها أول من ينكث بها. منذ اعلان الرئيس ولسون مبادئه الاربعة عشر في شباط 1918 ووصولاً إلى خطاب الرئيس باراك أوباما في جامعة القاهرة في تموز 2009 بعنوان «البداية الجديدة» لم تحظ المنطقة العربية من أمريكا إلا بالمزيد من الخيبات. ولم تحقق أيا من الوعود التي اطلقت لا عن تقرير المصير ولا عن الحريات أو دعم العدالة، بل دعمت أمريكا كل من شأنه تقويض أمن المنطقة وسلامها وعلى رأس ذلك الدعم اسناد إسرائيل بكل ما لديها من قوة. راهناً تعود الولاياتالمتحدة وعبر قانون «جاستا» لتكشف عن عمق نهجها وسياساتها المبنية على نهب الأوطان، ليس لأن جاستا يهدد دول المنطقة والإقليم، بل لأن الصياغة والتوقيت والظرف والغايات تعني أن ما كان حدث في 11 سبتمبر لم يكن صدفة دون أن تراها الولاياتالمتحدة أزمة نافعة للمستقبل لكي تحقق ما تريد. وهنا يظل الدور على العرب لإدراك ومعرفة كيفية التعامل مع الولاياتالمتحدة، التي لا تعرف حليفا ولا صديقا، كما أنه من المهم أن لا نعول على التصريحات التي تصدر في الولاياتالمتحدة الداعية لتخفيف أثر قانون «جاستا»، ففي الوقت الذي يُشرّع فيه جاستا، تكافأ إيران المدرجة على لائحة الإرهاب بالمزيد من التمكين وغض النظر عن أفعالها من قبل إدارة أوباما وارسال الأموال إليها بالطائرات الامريكية. اليوم بعد أوباما، نجد أن منصب الرئاسة الأمريكي يتراجع، ويهبط لصالح قوة الكونغرس وهو أمر بدأ مع الرئيس نيكسون بعد قضية «ووتر غيت»، ستزيد قوة الكونغرس وستتقلص صلاحيات الرئيس، لكن ماذا سيحدث لنا العرب؟ الجواب لا يمكن اهمال لعبة السياسة والتواصل مع أعضاء الكونغرس، لكن لا يمكن جعل ذلك الخيار الوحيد في ظل ضعفنا العربي في ميزان القوى الإقليمية والعالمية، أيضا يجب ارسال سفراء عرب ذوي علاقات قوية ويعملون جيداً في الساحة الامريكية.